عن دار خيال للنشر، صدرت حديثا مجموعة قصصية تحت عنوان: «إطلاق سراح الأشياء»، للراحلة عائشة بزيو، ويعود فضل صدورها الى شقيقتها حياة بزيو، التي سعت إلى تحقيق حلم النشر – ولو بعد الوفاة- لشقيقتها، التي وافتها المنية دون أن تحقق حلمها، وذلك بعد حوالي 22 سنة من كتابتها. هكذا بقيت نصوصها المخطوطة حبيسة الأدراج طيلة هذه المدة، عندما قرّرت شقيقتها بدعم ورجاء من أمهما، وبتشجيع من أصدقاء وأقارب ومثقفين، نفض الغبار عن أغراضها، ونشرها وتحقيق حلمها، بعد فرز ومراجعة وبحث مضن.
بوداود عميّر
مباشرة بعد صدور الكتاب هذا الأسبوع، توجهت أخت المرحومة نحو قبر أختها، قرأت على روحها الفاتحة، ووضعت نسخة من المجموعة القصصية على قبرها مع باقة ورد، وكأنها تخاطبها: “هاأنذا عزيزتي عائشة، قد حققت لك أمنيتك الغالية، فلتنامي في هدوء وسكينة”. تقع المجموعة القصصية في 240 صفحة، وتتألف من تسع قصص وهي: “مهدي، بورتريه، إطلاق سراح الأشياء، الشيخ والمنبه، أفكار مخجلة، الحب المستحيل، الهدية، نرجسية امرأة، فقاعة”؛ يحتوي أيضا على مجموعة من الخواطر، تحمل العناوين التالية: “الحنين، السيدة فراشة، جبين الواحات، يا ناجي العلي، يسكبون حزنهم حينما لا أكتبهم، قصر الرشيد، حبيتك، بائعة ورود أندلسية، جدل داخلي”. “لمرأة التي تكتب في الوقت الحاضر في بلدنا، يساوي ثقلها باروداً”، سيتذكر القارئ لاشك، هذه العبارة الموحيّة ذات الدلالات العميقة، وهو ينهي قراءة المجموعة القصصية للمبدعة الراحلة عائشة بزيو؛ قصص تجمع بين القسوة والمتعة والأسى والدهشة؛ سيتذكرها خاصة مع تفاصيل المقدمة المؤثرة التي كتبتها شقيقتها حياة، وهي تسرد مسار حياتها الحافلة بالأمل والألم والطموح والخيبة والانكسار والتحدّي. العبارة وردت في المقدمة التي افتتح بها صاحب رائعة “نجمة”، رواية “المغارة المتفجرة” للكاتبة الجزائرية الراحلة يمينة مشاكرة، ليس هناك فيما يبدو أفضل منها تعبيرا دقيقا عن رهان المبدعة الراحلة عائشة بزيو، في تحدّي الوضع القائم للأشياء، في التخلص من قبضة القبيلة، وتحقيق ذاتها بعيدا عن الوصاية بجميع أشكالها.
بين مشاكرة وبزيو، قواسم مشتركة، تنصهر معًا في بوتقة الاعتراف والبوح إبداعيا؛ في التوق إلى الانتقال من الهامش صوب المركز، في اتجاه المدينة الحلم، بحثا عن تفجير الذات المبدعة؛ اشتراكهما معًا في علم النفس كاشتغال معرفي وكمهنة، في محاولة الإجابة عن سؤال الخيبة، من مجتمع لم يتحرر بعد من عقده. بيد أن الرحلة ستأخذ مع صاحبة المجموعة “إطلاق سراح الأشياء”، بعدا مغايرا، أكثر قسوة، ذلك أننا كلما تعمّقنا بعيدا في عمق الوطن، كلما ازدادت المعاناة، وازدادت ضراوة التهميش والإقصاء. سيتفاجأ قارئ المجموعة، بنصوص جميلة ومشوّقة، كتبتها الراحلة بلغة باذخة، مؤثثة بجميع خصائص القصة القصيرة من حدث وأسلوب ومفارقة ونسيج قصصي؛ وسيتساءل لا شك، كيف فاته قراءة هكذا نصوص جميلة؟ وكيف فاته معرفة اسم المبدعة التي برعت في كتابتها؟ شقيقتها الوفيّة لروحها، وهي تكتب مقدمة رائعة للمجموعة في عمقها وتفاصيلها، ستميط اللثام عن أشياء مدهشة في حياة الراحلة، وستكشف الكثير من الغموض الذي اكتنف حياتها. هكذا سنكتشف قصة أخرى، ولكنها هذه المرة قصة واقعية، لا تمت للخيال بصلة، قصة امرأة طموحة، رفضت متحدية الخضوع للأمر الواقع؛ امرأة يساوي ثقلها باروداً.