الأدب والتأدب

0
44

في كل الأحوال سنجد أن للتأدب ككلمة يعرفها العام والخاص علاقة بالأدب ولو في معانيه التي انتقل إليها لاحقا من المعنى الأول، وإذ نقول هذا فإننا نروم ههنا مقاربة اجتماعية لظاهرة تكاد تنعدم في الأوساط المعرفية بله الاوساط الاجتماعية البسيطة، لقد لفت نظرنا في الآونة الأخيرة أن التأدب قد صار موضوع نظريات علمية كثيرة في الثقافة الغربية، وتحديدا نظريات اللغة التي تهتم بالتواصل بين بني البشر، إننا نقصد ههنا التداولية كنظرية اهتمت باللغة أثناء الاستعمال بين أفراد المجتمع الواحد عند علماء من مثل أوستن وغوفمان، وسورل، وهوسرل، وغيرهم، أحد أكثر المبادئ التي اهتم بها هؤلاء بعد مبادئ الصدق والكذب، والتعاون، وغيرها، هو مبدأ التأدب.

وهو مبدأ اجتماعي أخلاقي، قبل أن يكون نمطا لغويا، ذلك أنه يميل إلى أن يكون مروءة تفرض حفظ المقامات أثناء الخطابات، يقف هذا على ثلاثة مبادئ حددها غرايس وهي: تقيد باللباقة (لا تفرض نفسك على الناس)، اترك لمخاطبك الاختيار، تصرف كما لو كنت أنت وقرينك متساويين، ولقد أضافت الباحثة روبن لاكوف مبادئ من مثل التعفف والتشكك والتودّد، والتي تدور في كلها حول فرض الاحترام والراحة في الخطاب ولدى المخاطب.

لقد تأدب العلماء في التراث العربي مع القرآن الكريم حينما تحرجوا من المساس بألفاظه، ومدارسة معانيه، إلى أن جاء الرازي بكتاب الزينة في الكلمات الإسلامية، ثم تأدبوا مع القرآن الكريم، حينما قالوا إن آية (لا أقسم بهذا البلد) تعني أقسم، ولا صلة في الكلام، ولم يقولوا زيادة احتراما للقرآن، ولقد تأدب موسى عليه السلام مع سيدنا الخضر لأنه أكثر علما منه، وقال: ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا، وهذه شذرات من التأدب حسبُ كل متكلم مستمع أن يأخذ بها.

الحديث عن التأدب يدفعنا إلى استحضار حالة المجتمع، وشعبوية هذا الشعب التي تفرضها يد السياسة الفاسدة، والإعلام الفاسد، والمال والاقتصاد الفاسد، والتي شعارها الأول والأخير ارموا بالفتنة إلى الشارع يحتضنها الشعب، لا شك أننا في حالة مرضية متقدمة جدا، وخصوصا أعراضها المتعددة المتمثلة في ادعاء المعرفة، ستجد في جعبة هؤلاء جملة الإجابات الجاهزة على كل مسألة دينية، أو سياسية، أو أخلاقية، أو حتى في مجال العلوم التجريبية. على هؤلاء، ممن يهرفون بلا يعرفون أن يكفوا عن كل أنواع هذا الترف الفكري، والسفاهة المعرفية، وأن تترك الميادين العلمية لأهلها. ثم على الجميع الالتزام بشيء من الأدب، وكثير من التأدب وليكن شعار الجميع الصمت حكم وحكمة.

ع.ح

أضف تعليقاً