باتت ظاهرة الأبناء غير الشرعيين، من أخطر الظواهر التي تهدد المجتمع الجزائري، خاصة بعد تفشيها بكثرة في الآونة الأخيرة، وهو الأمر الذي أدى إلى وجود اختلال في الكيان الاجتماعي نتيجة لجهل النسب.

كثيرون هم الأطفال الذين أتوا إلى هذه الدنيا نتيجة علاقة غير شرعية لم يكونوا سببا في حدوثها إلا أنهم وحدهم من يتحملون تبعاتها، وإذا سمحت الظروف لبعضهم بإيجاد مأوى يمكن أن يضمن لهم الرعاية لفترة محدودة فالنتيجة الحتمية هو الاضطرار إلى الخروج ومواجهة المجتمع بهوية “ابن غير شرعي “، لتبدأ بذلك رحلة البحث عن حقه في وطن لا يعترف أفراده بمثلهم ويصر على حرمانهم من ابسط الحقوق حتى في فرصة التعايش معهم، ليتحملوا بذلك نتيجة غلطة اقترفت يوما ما وكانوا هم نتيجتها ببساطة،هذه الظاهرة ليست جديدة، إنما الجديد فيها تفاحشها المهول ببعض المجتمعات الإسلامية.

فأسبابها التقليدية ما زالت قائمة، وأضافت لها أسباب أخرى حديثة، مردُّها الانفتـاح اللامحدود الذي يصل أحيانا حد الانحلال، وتزايد جرائم العرض والاغتصاب وزاد الأمر حدة عندما اضطرت العديد من الفتيات لبيع أعراضهن إما لكسب لقمة العيش أو للبحث عن الثراء والرفاهية، يخرج الابن غير الشرعي للحياة مضطهدا من أعز الناس لديه، ومحروم من العاطفة والحنان، يدفع ثمن خطأ غيره، وبدلا من أن تتوجه نظرة المجتمعات المتحضرة لأبويه بالسخط والغضب على شناعة فعلهما، فإنهم ينظرون لهذا الضيف القادم نظرة ليس فيها أدنى درجات الترحيب، ويبدأ مشواره حياته وسط هذا الجو المشحون بالتعبير عن الرفض والاحتقار والكراهية، فيجد نفسه إما ملقى على أحد أرصفة الشوارع، أو موضوعا بأحد صناديق القمامة، أو مرمي على عتبة أحد أبواب المنازل.

فما أصعب أن يجهل الإنسان أهم شيء في حياته، أن يجهل ذاته ونسبه، فلا يعرف من هو والده ولا من هي والدته، الفرد منا يستطيع حل كل المشكلات التي تواجهه في حياته ولكنه لا يستطيع مواجهة هذه المشكلة العويصة، ومن أصعب المشكلات التي تواجه الإنسان في حياته عدم معرفته لذاته وكينونته من هو؟ ومن هو والده؟ ومن هي والدته؟ إنه يعيش حياة بلا معنى، خالي الوفاض بلا كينونة ذاتية ولا عاطفية، ارتأينا أن نطرح أسئلة حول هؤلاء الأطفال وما صيرهم بعد سن 18 سنة، وهو العمر الذي سيتحتم عليهم مواجهة العالم الخارجي الذي لم يجابهوه ولو مرة في حياتهم، قررنا البحث في هذا الموضوع علّنا نجد الإجابة الشافية، وفي هذا الصدد كشف لنا جمال28 سنة، تربى في إحدى العائلات إلى أن صار شابا لا ينقصه شيء من تربية وتعليم، تعرف على إحدى الفتيات التي كانت زميلته بالجامعة دامت علاقتهما 3 سنوات، ليصطدم بالواقع المرير بعد أن تقدم لخطبتها ورفضت عائلتها لأنه ولد غير شرعي أو كما وصفه والدها ” وليد الحرام”، قال جمال” كيف لي أن أعيش في مجتمع لم يرحمني، وصفة اللقيط تلتصق بي، بالرغم من تربيتي في عائلة محترمة، وتلقيت تعليمي وبالرغم من ثقافتي الدينية إلا هذا و ذاك لم يشفعا لي في مجتمع حملني خطأ لم ارتكبه بل أنا ضحيته”.

أما سامية فحكايتها مختلفة عما اعتدنا سماعه فهي تنتمي لأسرة محافظة إلا أن هذا لم يمنعها من الوقوع في الحب، وعندما طلب من تحب يدها للزواج رفضه أهلها لذلك ظنت أن حملها منه سيجعل أهلها أمام الأمر الواقع ويجبرهم على القبول ولكن الذي حدث انه هو من تخلى عنها فلم تلقى هي سوى المعاملة السيئة من طرف الأهل وضرب وقسوة ونظرة الاحتقار كما أجبرت على شرب العديد من الأدوية لإجهاض جنينها ولكن دون جدوى واليوم يبلغ عمر ابن سامية 6 سنوات لكنه يعيش حياة جد قاسية فكل الجيران وأطفال يشتمونه وينادونه بابن الزنا مما جعله يتأزم نفسيا ويدخل في دوامة الوحدة والعزلة، وبالنسبة لسفيان البالغ من العمر 35 سنة متزوج وله أولاد جاء إلى هذه الدنيا نتيجة علاقة غير شرعية بحيث كان هو ثمرتها سجلته والدته باسم أمها، وهو الآن يحمل اسم جدته لكنه يواجه مشاكل عدة اليوم فأينما ذهب رفضوا أن يتعاملوا معه بحكم انه لا يملك أوراق رسمية تثبت نسبه مما جعل منه رجل عاطل بدون مسكن وأولاده يعانون فلا مدرسة قبلت أن تسجلهم دون وثائق بالفعل إنه بعاني مشكل التهميش والرفض.

ليبقى في الأخير جمال سامية وسفيان أمثلة بسيطة ممن يعانون الأمرين وصفة اللقطاء لصيقة بهم، وغيرهم كثير من يعاني في صمت سواء في دور الطفولة المسعفة أو لدى عائلات بالتبني يتساءلون كل يوم ما ذنبهم في أخطاء لم يرتكبوها.

وفي سياق متصل تناضل رئيسة جمعية “الطفل البريء” “وهيبة تامر”من أجل حقوق الطفل خاصة الأطفال مجهولي النسب، التي استطاعت أن تفرض نفسها في وسط المجتمع الجزائري، الذي يكن نظرة احتقار ونقص لهذه الفئة وتمكنت من تنظيم العديد من اللقاءات وجمع المختصين لإيصال انشغالات الأطفال غير الشرعيين والتحذير من خطورة التخلي عنهم دون رعاية حقيقية.

أضف تعليقاً