في سياق مربك حضاريا، يُطرح سؤال تقليدي : ما معنى أن تكون مثقفا، وما هو دورك بالتحديد ؟ لقد ظلت الخطابات العامة تحمّل المثقف العربي مسؤوليات، حين ننظر إليها بعين الحكمة، نرى بشكل جليّ أنها تتجاوزه رؤيويا؛ في ظلّ مقاربات ومقارنات تنطلق من سياق مختلف تماما، أي السياق الغربي الذي قطع أشواطا معرفية، لا يسهل اللحاق بها، في ظلّ تعقيدات سياسية واجتماعية وحضارية، تتفاقم يوما بعد يوم. في نفس الوقت تتزايد الأصوات الصارخة في وجه الثقافة، بوصفها محركا روحيا تبني عليه الشعوب أحلامها ورؤاها، ولا تتردد في تحميلها كل الخيبات، حين تحبط الأحلام بواقع صلب.

السياق الغربي الذي أنتج مثقفين كبار، ساهموا في بلورة رؤى اقتصادية وسياسية وحضارية لشعوبهم، يختلف عن سياقنا كليا؛ ما معنى أن تتعالى الأصوات التي تذكر المثقف المحلي، بجون بول سارتر أو فوكو، على عظمة البلدان التي ولدوا فيها أو التي أنجبتهم معرفيا ورؤيويا، في حين نتناسى السياق المعقد، الذي يتواجد فيه المثقف الجزائري المحاصر روحيا، بندرة الثقافة في المحيط القريب، وسياسيا بكراهية تاريخية انطلقت من لحظة الثورة أو ما قبلها، حين فُصّلت المسائل على مقاييس السلاح، واستبعدت الرؤى التي كانت قادرة على تجنيب البلد، تهاويا تاريخيا مستمرا منذ عقود.

مثقف المحنة يجد نفسه في العراء فجأة، حتى في اللحظات الحاسمة، التي تقودها الشعوب بكل أطيافها، يعاقب بعبارات وتنابز يطلقه العامة، ومثقفو الطوارئ الذين صنعهم الريع والفراغ، يستشعر الكاتب والباحث والجامعي وغيرهم، ممن بإمكانهم حمل شارة مثقف حجم الغبن، الذي يقع عليه حين تتجلى الشعبويات، بكل صنوفها ويغيب صوت العقل، ينظر إليه وهو في صورة المكبح، الذي يعرقل المهرولين نحو انتصارات سريعة، دون تخوّف من شيء ما، من التاريخ، من الآخر، من الحكمة حين تغيب.

المثقف داخل الراهن الجزائري، يسعى للتغيير بتجاوز موقعه المفروض عليه، حيث تحوّل الشارع إلى محرك للفعل، ضمن حراك شعبي، أنهى ركودا كان يُظن أنه أبدي، ماهي مهامه الجديدة، أي هذا المثقف المتهم دوما ؟

ستستمر الأعطاب القديمة، حتى ولو تحقق المطلب الأساسي أي الحرية، لا تكفي هذه الأخيرة لبناء رؤية وغد، ستشتغل كل الطاقات وفي كل الميادين، لكن الامتداد الحقيقي لأي مبادرة أو فعل، لا يكون عميقا إذا لم يُثقّف وتضبط أدبياته، بشكل يمكّنه من دخول تاريخ أي طائفة بشرية، تحرّكت لصناعة موقف أو رؤية.

المثقف يمسك التفاصيل الروتينية في الحدث، يمسك العادي، يثقّفه وينبّه الآخر لما قد يخفى عنه، في سياق يتفق الكل على الهدف، دون اتفاق على وسيلة محددة لتحقيقه؛ في هذا الوضع، يتحتّم على الثقافة أن تضمن تحوّل الحرية المنشودة، إلى خبز اليوم وملحه، أن تجعلها جزءا مهما وحيويا، من تصوّر المجتمع ككل للحياة الفردية والجماعية، ويحدث ذلك بعيدا عن الصراعات الداخلية بين المثقفين، والتي من شأنها أن تضبط بوصلة وسؤال من هو المثقف، في حدود الصراع الداخلي، وبعيدا عن الميديا والاستعراض، قد لا يكون هذا ملائما في المحطات التاريخية والسياسية الكبرى، التي تتطلب حرصا شديدا على الوطن باعتباره الحاضنة الأولى لكل ثقافة ممكنة.

رفيق طيبي

أضف تعليقاً