عبرت الممثلة والمغنية فتيحة نسرين في حوار صريح حصري لمجلة “أحلامي” بعد وعكتها الصحية سنة 2019 عن استيائها من الحالة التي آل إليها الفن في الجزائر، كما وذكرت مسيرتها الفنية التي تعتز بها كثيرا بكل حصره عما فات ومضى، غاضبة من بعض الشباب الذين أصبحوا لا يطيقون الفنانين الكبار من جيل زمن الفن الجميل، استقبلتنا في بيتها ب”عين النعجة” بكرم وجود مرهفة الحس إطلالتها جميلة تمتزج بين حب الفن الذي يجري في عروقها وحب الناس لترسم خلاصة الإنسان حينما تترجمه الأحاسيس ويعتمد سفارة أحرفه ترجماناً لخفاياه . وهذه تفاصيل الحوارالذي جمعنا بها:
حاورتها: أحلام بن علال
الفنانة فتيحة نسرين التي أحبت التمثيل منذ المراحل الأولى للدراسة فكانت تشارك دائماً في المسرح، لتنطلق في عالم الفن مفرغة طاقة ادخرتها لأعمال رفعت من قدراتها وإمكاناتها، كفنانة.
قبل أن أطلب منك أن تحدثيني عن بداياتك الفنية، علمنا أنك تعرضت لأزمة صحية صعبة كيف حالك اليوم هل تحسنت؟
أولا أرحب بكم في منزلي، أما بعد تحسنت قليلا مقارنة بوقت مضى والحمد لله ففي الأوقات الأولى من مرضي لم أستطع متابعة صحتي بشكل جيد لغلاء الأدوية، لأنني وجدت نفسي لا أملك شيئا، وبمساعدة السيدة ليلى التي كانت في التلفزيون والتي لن أنسى لها وقوفها بجانبي، خاصة بعدما فقدت منزلي بباب الواد بكل ما فيه من آلات موسيقية وذكريات وبقيت على هذه الحال لمدة عام ونصف بدون عمل لا أحد من المسئولين ساعديني إلا المذيع سليم سعدون وصديقة لي رفضت أن أبوح باسمها، أنا الآن أحمد الله على سلامتي وتحسن صحتي.
حدثينا الآن عن طفولتك وبداياتك الفنية؟
كنت أسكن مع عائلتي في “سانتو جان” في الماضي في وقت الثورة حينها كنت أبلغ من العمر أربع أو 5 سنوات وبعدها صعدنا إلى القصبة عند عائلة بوعمامة الذين أعطونا مسكن وسكنا عند خالتي وريدة وبعدها نزلنا إلى باب الواد سنة 1964وبقينا فيها. زاولت دراستي كباقي الأطفال ولما بلغت 14 من عمري انضممت إلى مركز لحركة الشباب الذي تحول فيما بعد إلى أول “بالي” وطني، نحن اشتغلنا لما كانت هناك عدت طابوهات وتعلمنا على أيدي أكبر الأساتذة على رأسهم نذير لوماني وإبراهيم بهلول.
في الأول من جانفي سنة 1964 ذهبنا أنا وأبي الذي أقنعته بعد محاولات كثيرة باءت بالفشل للذهاب معي للتوقيع على موافقته لمزاولة الفن فقبل أخيرا بسبب حبه الكبير لي، غير أن أمي كانت معارضة تماما دخولي إلى مجال الفن وأتذكر أنه في أحد الأيام وبسبب تأخري في التحضيرات لعملي ولما أكملنا في وقت متأخر ذهبت لأبيت عند إحدى صديقاتي في اليوم الموالي أخذتني أمي عند القاضي… وبعدها أصبحت تتبع خطواتي وأوقات خروجي من المسرح .
لما دخلت إلى المسرح تعرفت بعبد الله كريوك الموسيقار الكبير الذي كان جاري في نفس الوقت وآخرون كدرياسة وشاعو، ورابحة و فتيحة بربار نادية طالبي دوجة عشعاشي وأخريات.
نصحني السيد”عبد الله كريكو” رحمه الله كابنة له بعدم حصر موهبتي في مجال واحد، وطلب مني مرافقته إلى المعهد فاصطحبني إلى السيدة سليمة التي كانت تغني الأندلسي أنذاك، فبدأت أتعلم أشياء جديدة معها، وبعد مضي عام جاء السيد “سكندراني” رحمه الله الذي كان صديق لأبي نصحه في ذلك الوقت أن يبعدني عن ذلك المجال الذي كنت أحبه كثيرا، فجاء أبي ومنعني من العودة إلى المعهد فانفجرت بالبكاء فقال لي سيأتي “سكندراني” إلى المنزل ويقوم بتعليمك واشترى لي آلة موسيقى، لكن في المنزل لم يكن بوسعي تعلم كل شيء بقيت على هذه الحال إلى أن التقيت بالسيد”محمد الرشيد” الذي كان موسوعة في الغناء باغتنامي فرصة ذهاب أبي إلى المغرب قال أنه سيعلمني هو بآلة الموندول فتعلمت منه الكثير.
انطلقت انطلاقة قوية مع كبار الفنانين وفجأة اختفيت ما هو سبب ذلك؟
توقفت بسبب زواجي -لأنه بزواجي بدأت المشاكل- فبقيت 15 سنة دون أن أضع يدي فوق البيانو، وبعدها، أعدت شراء بيانو. بالفعل بدأت مع كبار الفنانين كفضيلة دزيرية وفي هذا السياق شاهدت مرَة في حصة تلفزيونية اسمها حنين استضافة شخصية لا تمد بأي صلة لفضيلة دزيرية لتتحدث عنها، كيف يحضرون صغيرات في السن ليسوا من نفس الجيل للحديث عنهم، لماذا لم يحضروا شخصيات عاشرتهم كمريم زكال وفضيلة دزيرية تعاملت معهم لعدة مرات وأنوه هنا أن المسامع مدرسة ومن يملكون أصوات رائعة فقط من يغنون المسامع .
بالعودة إلى الحديث عن زواجي أقول أنني تزوجت زواج سيء وفاشل لما كان عمري 18 وحملت ب3 أطفال أنجبت أول طفل توفي أثناء الولادة والثاني كذلك والثالث توفي في بطني قبل أن يولد، كانت مشيئة الله.
توفيت والدتي عام 1999 لما بقي 15 يوم على عام 2000 وبعدها في نوفمبر 2001 فقدنا المنزل وفقدت كل شيء معه، لكن بقوة من الله تمكنت من تخطي الأزمة فبالحياة كل شيء يعوض وفي الأخير بعدما وجدت نفسي في فترة عصيبة من حياتي وحيدة جلست لأراجع أفكاري ووضعت قائمة كل من ربطتني علاقة صداقة أو زمالة معهم وبدأت بالتصفية ونزعت منها كل من لم يقف بجانبي ولم اترك سوى صديقتين الأولى هي نرجس صديقتي الوفية وامرأة صافية، وأخرى.
كنت مغنية أعراس وأحييت الكثير من المناسبات والأفراح هل عشت بهذه المهنة؟ أم أحييتي حفلات أخرى تدفع حقوقها الدولة؟
كانت الأفراح في وقت مضى لكن في العامين الأخيرين كل الأشياء تغيرت وأصبح العمل بالوجوه يعطونني حفلة واحدة في العام والآخرين بالثلاث والأربع حفلات في العام، ولكن أتمنى من كل المسئولين أن يأخذوا طلباتنا البسيطة بعين الاعتبار والتي تمثل حقوقنا كفنانين ناضلوا من أجل الفن الجزائري، لأن الأعراس” لا تأكل عيش” كما يقول المصريين.
مثلت في العديد من المسلسلات وتألقت بأدوار عديدة رغم أنها أدوار شريرة إلا أن الجمهور أعجب بها وبأدائك كدورك في مسلسل ألعقبي مثلا، ورغم تعدد القنوات إلا أنك غائبة تماما عن الشاشة لماذا هذا الغياب؟
تعدد القنوات أقولها وأتحمل المسؤولية بكاملها، كل هذه القنوات لما تتصل بك لتشاركي في البرامج أو حتى لتكوني الضيفة الرئيسية لا تدفع لك مهما قدمت تهدين لها وردة مرة واحدة، ليس كل مرة، خاصة وأنني لم أملك عمل آخر، من يحميني اجتماعيا هي البلدية ببناتها وأحييهم بالمناسبة، أنا في أزمة و أتمنى من هذه القنوات أن تقدر تلك الوردة لست ضد المساعدة وإنما لا أقبل الاستغلال، المنتج هو من يقدم يد العون للفنان وليس العكس، وإذا رفضت تصبحين أنت المخطئة.
هل باعتقادك أنه مع وجود بطاقة فنان هل سيصبح محمي أكثر؟
أنا لما وضعت ملفي تحدثت على كل مسيرتي الفنية و كل ما قدمته في الثقافة من أفلام تصل إلى حوالي 60 فيلم درسوا وتقبلوا تسليمي البطاقة، ويوم تسليم البطاقات بفندق الأوراسي سلموا البطاقة للقدامى ككمال حمادي وبعض الشباب كذلك والسيد بن دعماش شرح للجميع ممن أرادوا التقاعد أنهم يعتمدون على نسبة العطاء فلا يمكنهم إعطاء تقاعد لمن عمل شريطين فقط.
أريد أن أترحم بهذه المناسبة على السيدة آسيا جبار السيدة العظيمة التي وثقت بموهبتي وقدراتي في التمثيل أخذتني بعيدا، أنا ونرجس الوحيدتين اللتان تعاملنا معها، فلما أنهيت جولتي بإيطاليا من يوم عودتي إلى الجزائر لم أسمع أحدا يتحدث عنها إلى غاية وفاتها بدأ الكل يتحدث عنها الكاتبة وكذا وكذا.. أنا جسدت دورا في أحد أفلامها ” نساء الجزائر” يشرفني الحديث عنها كانت تدخل علينا في الدار الحمراء وقالت لي في إحدى المرات لما كنت في أبهى طلة لي أبدا لن أترك هذا الجمال يذهب هدرا.
صنفت من الفنانين المخضرمين الذين عاشوا زمن الفن الجميل وهذا الزمن ما الفرق بين الزمنين؟
هناك نقلة نوعية لأن فن الزمن الجميل كان حقيقي وكانت النية والرحمة، كان و لا أجمل، لكننا اليوم نرى عجائب وغرائب والأغنية الجزائرية تعرف انحطاط كبير، توجد أصوات رائعة بين شباب اليوم لكن لا أقبل بأن يغنوا بلغة ليست لغتنا أنا عندما كنت أذهب إلى الخارج لأمثل بلدي بالزي التقليدي الذي أعتبره بطاقتي التعريفية ما يجعلني فخورة، وما يثير سخطي غناء شبابنا في قنوات جزائرية بلغة ليست لغتنا جداتنا لا يفهمون اللغات الأجنبية.
لو عاد بك الزمان إلى الوراء هلا راجعتك قراراتك ؟
نعم بالتأكيد ندمت لأنني أصبحت فنانة وندمت لأنني لم أكمل دراستي، لأنني لا يمكنني العيش بحفلات الأعراس مرة في العام، لأن الفن فقد قيمته وهناك كثير من الفنانين ماتوا مرضى لم يكن بوسعهم حتى شراء الدواء، قدمت صغري وشبابي للفن وفي الأخير لم أجد من يقف معي، أنا أحيي الشعب العظيم الذي لا زال يتذكرنا وكانوا يدعوننا لإحياء أفراحهم، كما أنني لم أعمل منذ أربعة أشهر من شهر ديسمبر إلى غاية شهر مارس، ولولا الناس لا دخل يقيني شح المعيشة.
ماذا عن التقاعد في مجال الفن؟ هل ترين أنه للفن سن للتوقف عن العطاء؟
لا أؤيد تقاعد الفنان أنا مع إعطائه كامل حقوقه، لكن ليس بوسعنا نحن الفنانين البقاء مكتوفي الأيدي، الفنانة وردة مثلا غنت إلى آخر أيام حياتها رغم مرضها، السيدة أم كلثوم كذلك، الفنان الكبير وديع الصافي، يوجد بعض الشباب لا يطيقوننا، إلى درجة انه في إحدى المرات قال أحدهم لسنا بحاجة إلى القدامى -صفر القطار عليهم- نحن كنا نقدر مشايخنا ومن واجب شبابنا أخذ العبر من المشايخ الكبار.
ما هو الدور الذي كنت تطمحين لتأديته؟
أحب أفلام الأكشن، وكنت أحلم أن بدور بوليسي.
كيف كنت تقضين يومياتك بعد انتقالك لبلدية “عين النعجة”؟
بعد عام ونصف استطعت أن أتأقلم مع الأوضاع التي نعيشها في عين النعجة من إهمال ولا مبالاة في مجال البيئة فالكل يقوم برمي النفايات ولا يوجد عمال يقومون بجمعها النظافة غائبة في حينا، وأتمنى بهذه المناسبة من رئيس بلدية عين النعجة أن ينظر إلى وضعية حينا 108 مربع 336 التي أصبحت لا تطاق لا تنظيم من الجيران ولا تنظيف من العمال، أما عن يومياتي فأنا أقوم بأشغال المنزل في الداخل والخارج كأي إمرأة عادية، وأقضي يومياتي بشكل عادي.
كلمة شكر؟
أشكر كل من أعطى لهذه المهنة، مهنة الفن النبيل.
كنت أحضر لأسطوانة جديدة فيها حوالي 8 أغنيات من بينها “نتا يلي”، مغرابي عراسي، وفي هذه الأيام أصبح المنتج هو من يفرض عليك ما تفعلين للأسف الشديد.
لمن تبوحين بأسرارك؟
أبوح بأسراري لصديقتي نرجس مطربة الأندلسي التي أثق بها كثيرا.
كلمة أخيرة؟
أنا محبطة.. أين كنا وأين أصبحنا.
الفنانة فتيحة نسرين فنانة لا تؤمن بالحظ وتسير بمبدأ لكل مجتهد نصيب .. رغم إيمانها بموهبتها إلا أنها تريثت في دخول المجال الفني حتى لا تكون سلعة في يد بعض المنتجين ممن سخروا الفن وسيلة لتحقيق غاياتهم الشخصية، طيبة ودودة تحمل كل مواصفات المرأة الجزائرية الأصيلة الطموحة التي تحب الفن بل تعشقه، شفاها الله وعفاها.