الفنانة “نعيمة عبابسة” :
“الفن والديكور بدمي..وهذا سر نجاحي”
عشقت الفن منذ طفولتها، ترعرعت وسط عائلة فنية عريقة، تعلمت بفضلها أصول الغناء والعزف، كانت لها مشاركة متميزة في الأعراس الجزائرية والمناسبات السعيدة التي تُعلي فيها صوتها بكلماتها الموزونة النقية، إنها الفنانة “نعيمة عبابسة” التي استطاعت من خلال جمالية صوتها، وأدائها المتميز في كل المناسبات الوطنية والعربية وحتى العالمية أن تصنع اسما ثقيلا على خارطة الساحة الفنية، سواء من خلال الغناء والفن أو من خلال إنسانيتها، وذلك بفضل موهبتها التي جعلتها علامة فارقة في الساحة الفنية، فعن مسارها الفني كان لنا معها في الحوار التالي:
أحلام بن علاَّل
بعدما استقبلتنا في بيتها الفخم بالقبة تحدثت عن تفاصيل مهمة في حياتها، وأشياء أخرى نترك لكم تفحص تفاصيل لقائنا المثير معها.
من هي نعيمة عباسة؟
نعيمة عبابسة آخر عنقود عائلة عبابسة، فنانة وكاتبةُ كلمات ملحنة، بدأت الفن وعمري ثماني سنوات، كوَّنت فرقة نسوية وعمري أربعة عشر سنة، توجت مسيرتي الفنية بخمس وعشرين ألبوم، أم لثلاثة أولاد، وأملك علاقات ودية جيدة معهم، ابنتي أمال، وهي البِكر تخصصت في مجال الصحافة، متزوجة، ابني محمد يتقن اللغات الأجنبية جيدا، يمارس التجارة الآن، وباديس أصغر أولادي، لم ألده من صلبي لكني اعتبره ابني الحقيقي ومعزته كبيرة في قلبي، لي مزاج عصبي في بعض الأحيان، أحبذ كثيرا المكوث في المنزل
منذ أن أرسلنا رئيس الجمهورية السابق إلى الحج ” سنة 2006 كونت فرقة نسائية ليس فقط من أجل الحج، بل لأن العائلات الجزائرية أصبحت تطلب ذلك وأنا أحترم قرارها، لأننا مجتمع محافظ والسترة مطلوبة.
“عائلتي ذات أصول فنية عريقة”
كان عمري 8 سنوات لما بدأت العزف مع الفرق النسوية هذا الفن ورثناه من والدينا رحمهما الله، أبي الغالي عبد الحميد عبابسة، تزوج بوالدتي أخت ليلى الجزائرية وخالها الحاج منور الذي كان من أكبر الفنانين في الأغنية الشعبية، تعلمنا الفن لأننا عشنا وسطه.
أمي العزيزة رحمها الله أنجبت ولدين: صلاح ونجيب وبعدها أنجبت القايمة، فوزية، عايدة، فلة، ونعيمة.
أخونا البكر هو المايسترو صلاح الدين عبابسة مبارك من أكبر عازفي الأورغ، وهو من قاد فرقة فيروز في باريس، يعيش في فرنسا، ولد بعده نجيب وهو موسيقي ومغنٍّ جيد.
وفي البنات “القايمة” هي أكبرنا ومن ربتنا ..المسماة على جدتي رحمها الله، فنانة ولهت عدة مواهب أخرى كالخياطة والرسم، فوزية أختي كذلك من أروع الأصوات لكنها توقفت عن الغناء بعد زواجها مباشرة وعمرها لم يتجاوز 18 سنة .
أما فلة فكانت تغني منذ مرحلة المدرسة كانت لديها قدرات غناء عالية منذ الصغر، لأنها لا تكبرني كثيرا فكنا نذهب إلى المدرسة معا كانت تغني في صفوف المدرسة أغاني كثيرة بإتقان منذ الصغر.
لقد كان الفنُّ يسري في عروقنا لأننا كنا نفيق على رنات العود، واصلت دراستي إلى غاية البكالوريا، لكن اهتمامي بالمجال الفني كان أكثر من اهتمامي بالدراسة رغم أنني كنت متفوقة جدا وممتازة في نتائجي الدراسية، لما تزوجت أختي فلة كنت أبلغ من العمر آنذاك 14 سنة، ثم انضممت للفرقة الموسيقية الخاصة بوالدتي رحمها الله الوالدة رحمها الله كعازفة “أورغ”.
كنت هادئة وخجولة و قريبة جدا من والدي الذي علمني الطبوع والمقامات، والذي كان ضد فكرة ظهورنا في التلفزيون إلا بعد زواجنا وقبول أزواجنا بذلك.
نصحني والدي رحمه الله بالتحلي بالتواضع و بالأخلاق الكريمة، لأنها صفات محمودة تدل على طهارة النفس وتدعو إلى المودة والمحبة والمساواة بين الناس، وتنشر الترابط بينهم، وتمحو الحسد والبغض والكراهية من قلوب الناس، وفوق هذا كله فإنها تؤدي إلى رضى المولى سبحانه.
“تزوجت لأكثر من مرة لهذه الأسباب.. “
قلت أنني لا أستطيع العيش بدون رجل، وأنا أتحمل مسؤولية ذلك لأن الزواج نصف دين المرأة، والرجل هو حاميها ومهما كانت قادرة إلا أنه يبقى نصفها الثاني، تزوجت أربع مرات، لا أقول أنني لم أكن محظوظة في أمر الزواج، لكن هذا قضاء وقدر، ساد الاتفاق في البداية، لكنَّ ظروفا أخرى ظهرت إلى السطح فجأة، وفرقت بيننا، لقد فرقني المرض عن زوجي الأول، ولم أتقبل فكرة كوني زوجة ثانية، أما الثاني فكانت المشكلة في عدم الإنجاب، لقد قضينا أوقاتا رائعة، وقد افترقنا فقط لأنه أراد إنجاب الأولاد وهذا من حقه، فأسس حياته من جديد، أما الثالث فقد كان فارق السن بيننا واضحا، وأما زوجي الحالي نعم الزوج والحمد لله.
تزوجت سنة 1991 مع “إلياس ” أب أولادي الذي لم يكن محظوظا لأني بعد زواجي به بستة أشهر اكتشفت مرضي، لا يمكنني أن أقول أنه لم يقف بجانبي، لكن فرقتنا الظروف، أنجبت منه أمال سنة 1992وبعدها محمد، ولم أنجب بعد ذلك.
أعتبر نفسي سيدة ناجحة مئة بالمائة، الفن بدمي والديكور ذوق فطري تمتعت به منذ نعومة أظافري، عملت أكثر من خمس عشرة سنة في مجال الديكور، بنيت منازل أجرتها وبعتها، أحب الطبخ كثيرا، وأعشق سماع القرآن كثيرا.
“الطفل المتبنَّى مصباح ينير المنزل و مفتاح للرزق”
لما تبنيت “باديس” الذي اعتبره هدية من الله أنار حياتي وغيَرها لأني “ربحت عليه” كما يقال بالدارجة، فالطفل المتبنى بالنسبة لي مصباح يضيء المنزل يمكن أن يكون قد قضى تسعة أشهر في بطن أمه، لكنه قضى معي ست عشرة سنة، لقد كنت أنوي إخباره حقيقة كونه ليس ابني الحقيقي لما يبلغ الثامنة عشر، لكن بعض الطفيليات بيننا أفشت السِّر وعرف قبل ذلك، لكنه تقبل كوني أمه بكل ترحيب وهو اليوم لا يرضى بأن تكون له أمٌّ غيري ولا يحب سماع هذا الكلام، كبر أولادي والحمد لله أقضي برفقتهم أوقاتا جيدة وجميلة.
قصتي مع السرطان
ستة أشهر بعد زواجي وأنا بصدد التحضير لجهاز المولودة الجديدة وغرفتها، كانت صدمة كبيرة جدا لي ولكل العائلة، حينما اكتشفت أنني مريضة بسرطان الثدي بعد إجراء الفحوصات، ذهبت لتلقي العلاج بفرنسا، أعتبر نفسي مرآة لكل النساء المصابات بهذا المرض لأنني بفضل الله، اكتشفت أنني امرأة تتحلى بشجاعة كبيرة بداخلها، وموهبة في كتابة الكلمات كذلك، أما اليوم فأحمد الله صباح مساء، لأنني شفيت.
صدقيني؛ إن الله لا يبتلي العبد بهذا المرض إلا إذا حمَّله بكثير من الصبر والقوة والتجلّد، لا لشيء، إلا ليقاوم ويصبر ويحتسب وينال الأجر والثناء، لا توجد من كانت تخاف من وخز الإبر مثلي والحمد لله حينما أصبت بهذا المرض في سن السادسة والعشرين، وقد كنت حينها عروساً جديدة، أحضِّر غرفة طفلتي، كان الأمر صعبا جدا في البداية لكنني فوضت أمري إلى الله والحمد لله.
من أهم الأشياء التي اكتسبتها بعد مرضي الشجاعة، والتحدي، والصبر، والثقة بالله عز وجل، كنت خجولة لكن هذا المرض أخرج مني نعيمة أخرى، وبعد شفائي حباني الله بإلهام كتابة الكلمات التي حُمّلت بها طيلة فترة المرض والشفاء، كانت هناك أشياء كثيرة مختبئة بداخلي لا أعلمها، ولقد علمتها في فترة مرضي.
السرطان كلمة مخيفة و فترات العلاج كانت نفقا أسودا، بعدها عشت بصحة جيدة والحمد لله، الآن أمارس حياتي بشكل عادي كأيَّة امرأة جزائرية تقوم بالأعمال المنزلية، حاولت إخراج قدراتي لأتغلب على هذه الكلمة، واليوم الحمد لله يجب أن أقول إنَّ الحالة النفسية للمريض تمثِّل مرحلة كبيرة ومهمة من مراحل الشفاء من المرض، وهذا هو حالي بعد معاناتي وفي نفس الوقت مقاومتي للمرض ، مرضي كان نفقا أسودا، إلا أنني لم أستسلم وقاومته وكانت إرادتي أكبر من أن يتغلب علي ويتقاوى بفضل إيماني الكبير بالله عز وجل، حتى وإن أجريت فحوصات أخرى اليوم ووجدت إنني مريضة سأتقبل مشيئة الله وقدره.
لما علمت بمرضي حملت مسؤولية تربية أطفالي لعمتهم آسيا، لأنني وضعت الموت نصب عيني وحاولت أن أبعدهم قليلا عني لكي لا يتعلقوا بي كثيرا، فعاش كل من أمال ومحمد وحتى باديس عند أمهم الثانية التي ربتهم وهي عمتهم آسيا، لأن أول شيء نعيشه بعد سماع كلمة السرطان هو انتظار الموت فساعدتني كثيرا في تربيتهم فهي أمهم الثانية، لكن بعد شفائي زادت علاقتي توطدا بهم، أصبحنا نخرج معا ونسافر ونقضي أوقاتا ممتعة، نعيش في بيت واحد لكن لكل منا طابقه الخاص به.
” هذا سر رشاقتي”
أجريت عملية جراحية في عيادة خاصة، وقد كنت مجبرة على إجرائها من أجل إنقاص الوزن بعد إصابتي بمرض السكري، لأنني إنسانة أحب الأكل كثيرا ويجب علي أن أنقص من وزني الذي تضاعف خاصة بعد وفاة والدتي التي كانت قريبة جدا مني وتأثرت لفقدانها، وكان من المفترض أن أقضي فترة أطول في تونس إلا أنني عدت على جناح السرعة نظرا لارتباطاتي الكثيرة بإحياء أعراس.
“سر نجاحي”
مبدئي في الفن الذي ربما له دور كبير في نجاحي وشهرتي هو التزامي بكلمات الأغاني التي أكون دائما حريصة على اقتنائها بدقة وتتمثل في الكلمة الطيبة الملتزمة، فأنا لا أبحث عن الشهرة التي يعلو لهيبها كالشعلة ثم تنطفئ فجأة، أسعى دائما لتقديم الأرقى والأنقى “كشيوخ بلادنا” مثلا، هي فكرتي وهي عبارة عن مجموعة من الأغاني بطابع تقليدي ستبقى للأجيال تراثا.
كما أن الفن كالكأس الذي لنا الاختيار فيما نضعه بداخله فبوسعنا وضع ماء أو الخمر فالماء حلال والخمر حرام وأنا أختار ما أقدمه، وكل مهنة يمارسها الإنسان يجب أن يمارسها بأصولها الجيدة والمفيدة.
” اللغة الخاصة التي أتحدث بها مع ابنتي حكاية”
عندي لغة خاصة أتحدث بها مع المقربين مني كابنتي أمال مثلا، منذ كنا صغارا ابن عمتي “دراجي” علمنا إياها لكي لا يفهمنا غيرنا، وهي الكلام بالفرنسية أو الإنجليزية وإضافة حرفين على الكلمة.
أشياء تثير اشمئزازي
عندي فوبيا المصاعد الكهربائية ولا أتحمل مضغ اللبان أمامي، أخاف الزلزال كثيرا وفقدان البصر ولا أنام في الظلام أبدا.
“أغاني نعيمة عبابسة”
بدأت الغناء بالخليجي، وبرأيي أفضل الأغاني هي الخليجية لأنها تحمل نغمة بدوية تشبه قليلا أغانينا. أول ألبوم لي كان عام 1997 وهي أغنية القايمة التي تحمل اسم جدتي والدة أبي، وبعدها أغان كثيرة باسم الله بديت ..يا دزاير.. يا شاويا..لأيام طوالوا أنت حبيبي جوهرة سيدي عبد الرحمان.. أولاد القصبة.. البهجة.. محلاها..أسافر للعمل وإحياء الأعراس والحفلات في كل ربوع الوطن الجزائري، وخارجه في كندا و فرنسا وفي كل ربوع الوطن، عملي ينزع لي القلق خصوصا عندما ندخل الفرحة على قلب المرأة الجزائرية التي لا تجد مكانا غير الأعراس لقضاء أوقات ممتعة، وأفرح كثيرا لفرحهم و أحب التعامل مع الناس، كما أنوه إلى ضرورة وضع قناة خاصة بالأغاني ك”روتانا كليب” لكي لا تذهب أعمالنا هباءا، خاصة وأن العصرنة قضت على أيام الزمن الجميل والانترنت أذهبت البركة.
“لما يموت الوالدان يتشتت لم العائلة”
والداي رحمهما الله لما كانا بيننا في حياتنا أعطانا طعما خاصا للحياة، لكن بعد وفاتهما لا أحد أصبح يلم شملنا، وأصبح من الصعب اجتماعنا كالماضي، وأصعب موقف تعرضت له في حياتي هو وفاتهما.
“الأقرب إلى قلبي”
أخواتي عايدة و فلة هما الأقرب إلى قلبي، فرغم أن فلة أكبر مني قليلا لكنني أعتبرها ابنتي ونتفق كثيرا وكلانا تكمل الأخرى، لأنها طيبة جدا وطفلة في تصرفاتها تزوجت في السادسة عشر وأنجبت كهينة في السابعة عشر، وهي تشبه أمي كثيرا.
” أحكي أسراري لمرآتي”
رغم أنني كتومة نوعا ما ولا أحب كشف أسراري، عندي صديقات قليلات لكنهن رائعات، كآسيا وابنة السيدة سلوى فريال كذلك وبنتي أمال أختي وصديقتي التي أنسى في بعض الأحيان أنها ابنتي، وكل الأسرة الفنية عائلتي الثانية ومنهم من هن أقرب من عائلتي.
“يجب أن نحجب ألسنتنا قبل لبس الحجاب..واعتزالي قريب”
الحجاب شيء شخصي لبسته عن قناعة، وعندي فرقة نسائية مئة بالمائة أعمل بها في الأعراس، حتى كلامي نظيف ومعروف، الكلام النظيف هو الأهم، وعمن قال أنني أضع الحجاب وأنزعه أقول أنني لم أفعل ذلك عمدا بل أن نزعي له في فترات مضت كان بسبب مرض جلدي أصابني في فروة رأسي فطلب مني الطبيب عدم احتكاك جلد رأسي بأي نوع من الأقمشة، غير أنني أفكر في الاعتزال.. الذي سيكون قريبا جدا.
“تعرضت للسرقة لأكثر من مرة”
لحبي الكبير للأفلام الهندية ذهبت في إحدى المرات إلى الهند مع ابنتي أمال كانت أصعب محنة مررت بها ليس لأني سرقت بل لأنني تعرضت إلى الضرب بعدما صدموني بدراجاتهم النارية، أدخلتني إلى غيبوبة، الحمد لله أنه لم يكن باقيا للرجوع إلا ثلاثة أيام، وفي اعتقادي أن الأمر كان مدبرا.
ومرة أخرى أتعرض للسرقة حينما كنت غائبة عن البيت لإحياء إحدى حفلات الأعراس، و أولادي الثلاثة ومربيتهم كانوا على شاطئ البحر.بعد رجوعي في حدود التاسعة ليلا إلى البيت بعد انتهائي من العرس الذي أحييته، وجدت الباب مكسورا، و كل الأثاث في الأرض، و الأواني مكسرة، ولما توجهت إلى غرفتي، وجدت الصندوق الذي وضعت فيه مبلغ 500 مليون لإعادة ترميم منزلي في بوهارون فارغا، كما أخذ اللصوص بعض المجوهرات التي كانت موجودة في الأدراج وبعض الآلات الكهربائية الصغيرة، لم أبك على صحتي بعدما تعرضت للسرطان، لأبكي اليوم على 500 مليون، المهم أن أولادي لم يكونوا في البيت وهم اليوم بصحة جيدة، وعوضي على الله..
“فلة أختي همشت لأزيد من 11 سنة والفيديو الذي عرضته نابع من حبها لفنها”
أختي فلة فنانة عملاقة صوتا وصورةً، ولها كل الحق فيما قالته عن تهميشها، لأنها همشت أكثر من 11 سنة أنا معها في أشياء قالتها لأنها تعشق الفن الأصيل الذي تقدمه وتغار عليه حتى من نفسها، وضدها في أشياء أخرى كونها قالت أنها لا تملك مسكنا..لأننا كلنا معها وكل ما أملك ملكها، لم تتحدث عن نفسها فقط بل عن جميع الفنانين المهمشين وهي من أروع الأصوات العالمية وتبقى محبوبة لأنها فعلا فنانة بأتم معنى الكلمة.
أحلامك؟
أحلامي : العزة والكرامة لجزائرنا الأبية وأتمنى كل التوفيق لكل الصحفيين بمجلة أحلامي كما أتمنى أن نعيش بسلم وسلام وطمأنينة.