وبينما تتلألأ أشجار الكريسماس في المدن العربية،تنطفأ أحلام أطفال غزة
مع اقتراب نهاية العام الميلادي، تشهد العديد من الدول العربية استعدادات مكثفة للاحتفال برأس السنة الميلادية وعيد الميلاد المسيحي. تنتشر الزينة الاحتفالية في المراكز التجارية والشوارع الكبرى، وتُضاء الأشجار بالأنوار الساطعة، وتُقام الحفلات والمهرجانات، في مشهد يُظهر انخراطًا كبيرًا في تقاليد تُعتبر دخيلة على الثقافة العربية والإسلامية.
وفي الوقت الذي تُبذل فيه الجهود لتزيين المدن وإقامة الفعاليات الترفيهية، تعيش غزة وأجزاء أخرى من فلسطين تحت وطأة الحصار والتصعيد العسكري. يُعاني الشعب الفلسطيني في صمت، حيث تفتقد غزة إلى أدنى مقومات الحياة الكريمة، من مياه صالحة للشرب، وكهرباء، ورعاية صحية، بينما العالم العربي منشغل بتحضير احتفالات رأس السنة، وكأن أوجاع فلسطين غائبة عن الوعي الجماعي.
مظاهر الاحتفال في الدول العربية
بينما تنشغل الشعوب العربية، ومنها الجزائر، بالتحضيرات لاستقبال رأس السنة الميلادية، تزدحم المراكز التجارية الكبرى مثل “أرديس” و”باب الزوار” في الجزائر العاصمة، و”السانيا” في وهران، بالأضواء والزينة والعروض الخاصة بالمناسبة، يعيش أطفال غزة واقعًا مختلفًا تمامًا.
وسط الأزمات الإنسانية والحصار المستمر، يفتقد هؤلاء الأطفال أبسط حقوقهم في الفرح والأمان. وبينما تتلألأ أشجار الكريسماس في المدن العربية، تنطفئ أحلام أطفال غزة تحت ظلال المعاناة، في مشهد يعكس التناقض بين أجواء الاحتفال وأصوات الصمت التي تعلو على معاناتهم.
الإمارات العربية المتحدة:
تُعتبر دبي نموذجًا بارزًا في هذا السياق، حيث تزين المراكز التجارية مثل “مول الإمارات” و”دبي مول” بأشجار عيد الميلاد الضخمة. تُقام عروض الألعاب النارية الضخمة في برج خليفة ليلة رأس السنة، ما يجذب ملايين السياح من جميع أنحاء العالم.
لبنان:
تُضاء شوارع بيروت بالأنوار الاحتفالية، وتُقام الأسواق الخاصة بأعياد الميلاد. تشهد الساحات العامة تزيينات مبهرة، بالرغم من الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها لبنان.
مصر:
في القاهرة، تُقام فعاليات رأس السنة في أماكن مثل “كايرو فيستيفال سيتي” و”مول العرب”، حيث تُعرض زينة عيد الميلاد، وتنظم حفلات موسيقية وترفيهية.
السعودية:
شهدت المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة تحولًا كبيرًا، حيث بدأت المدن الكبرى مثل الرياض وجدة في تزيين المراكز التجارية بزينة عيد الميلاد وإقامة فعاليات رأس السنة، في إطار الانفتاح الثقافي والاجتماعي.التناقض مع القضية الفلسطينية
هذا التوجه نحو مظاهر الاحتفال يقابله تجاهل واضح لمعاناة الشعب الفلسطيني، الذي يعيش تحت الاحتلال والحصار. يبدو أن الشعور بالتضامن العربي الذي كان حاضرًا بقوة في العقود الماضية قد تراجع لصالح اللهث وراء مظاهر الترفيه والاستهلاك.
غزة تحت الحصار:
في الوقت الذي تُنفق فيه ملايين الدولارات على الاحتفالات، يفتقد سكان غزة إلى أبسط مقومات الحياة. المرضى يموتون بسبب نقص الأدوية، والعائلات تفقد منازلها نتيجة القصف، والأطفال يحلمون فقط بيوم دون خوف أو جوع.
التطبيع الثقافي:
يُثير هذا التناقض تساؤلات حول مدى تأثر الهوية العربية والإسلامية بالموجة الثقافية الغربية، ومدى انعكاس ذلك على التزام الدول العربية بالقضايا الإنسانية والأخلاقية تجاه الشعب الفلسطيني.
هل هذا وقت مناسب للاحتفال؟
في ظل هذه الظروف، تبرز تساؤلات مشروعة: هل يُعتبر الاحتفال برأس السنة الميلادية أولوية الآن؟ هل يعكس الانخراط الكبير في هذه الفعاليات تجاهلاً متعمدًا لمعاناة الفلسطينيين؟ وكيف يمكن للدول العربية أن تحقق توازنًا بين الانفتاح على العالم والحفاظ على هويتها وقيمها؟
دعوة للتأمل
قد لا يكون الهدف من هذه الانتقادات منع الاحتفالات بشكل كامل، ولكن الدعوة إلى التفكير في الأولويات، وإظهار التضامن الحقيقي مع الشعب الفلسطيني. يمكن تحويل هذه الفعاليات إلى فرصة لجمع التبرعات، أو نشر الوعي بالقضية الفلسطينية، بدلاً من الاستمرار في تجاهلها.
يبدو أن مظاهر الاحتفال برأس السنة الميلادية في الدول العربية تُظهر تباعدًا متزايدًا عن القضايا الجوهرية، في وقتٍ أحوج ما يكون فيه العالم العربي إلى التكاتف والتضامن.
بقلم: أحلام بن علال