حسان بن زيراري لـ “أحلامي”

 “وضع قرار سياسي حازم من شأنه أن يرسي الثقافة على بر الأمان”

 أكد الفنان الكبير حسان بن زيراري  لـمجلة “أحلامي”، أن وضعية الثقافة بصفة عامة والفنان بصفة خاصة في الجزائر، بحاجة إلى إعادة النظر فيهما، ووضع قوانين تحمي كليهما، ولا يتحقق ذلك على حسب رأيه إلا بوضع قرار سياسي من السلطات يكون حازما، من شأنه أن يرسي بالثقافة في الجزائر إلى برّ الأمان.

أحلام بن علال

أولا نرحب بك معنا ونشكرك على تلبية الدعوة، عرّفنا بك أكثر من خلال الحديث عن مشوارك الفني الثري؟

أولا أشكركم على هذه الالتفاتة الطيبة، أما بعد: حسان بن زيراري فنان وممثل سينمائي ومسرحي ولدت في مدينة قسنطينة عاصمة الشرق الجزائري، في العشرية السوداء تنقلت إلى فرنسا خوفا على عائلتي ولكي أحمي أولادي الثلاثة المتواجدين الآن بفرنسا، فبعد أن خسرت الكثير مما أملك، أعدت تأسيس حياتي بفرنسا وعملت كأستاذ في المسرح، ولكنني لم أستطع أن أبقى بالغربة ولم أصبر على بلدي ورجعت إلى الجزائر العاصمة سنة 2002، أحب الحياة كما هي، لأننا لا نعيش إلا مرة واحدة أحترم آراء غيري، قضيت كل حياتي في التمثيل، دخلت إليه في سنّ صغيرة مع مسرح الهواة، درست باللغة الفرنسية فأنا لم أدرس أبدا اللغة العربية، تعلمتها فقط في المسرحيات لما كنت في مسرح الهواة وبعدها في المسرح الجهوي لقسنطينة، تدربت جيدا على اللغة العربية، لما أصبحت أقرأ أدواري باللغة العربية، كان لي الحظ لما شاهدني بعض المخرجين في السبعينيات، ومنحوني أدوارا مهمة كالعرق الأسود لسيد علي مازيف، ودورية نحو الشرق، إلى غيرها من الأفلام التي أعطتني ذوقا كبيرا لمهنة التمثيل. تمنيت أن أبقى في الفن طيلة حياتي، والذي بدأته منذ فترة طويلة جدا، في أول وقفة لي على خشبة المسرح سنة 1964 أين كان عمري حوالي 16 سنة بعد الاستقلال، والتي لن أنساها أبدا، بدأت مع كبار المخرجين. حب الوالدين وحب الدين والتمثيل هو هدفي الأول في الحياة .

ما هو الأقرب إلى قلبك، شاشة المسرح أم السينما؟

الشاشة هي اقرب شيء إلى قلبي، لأنها من عرفتني بجمهوري، والسينما كذلك بعد عملي في فيلم مع قناة “كانال بليس” في فرنسا، ومع جماعة من كندا، وتوجد أعمال كثيرة مع مرزاق علواش في فيلم السطوح الذي تم تصويره في مدينة البندقية. لأول مرة في حياتي أسافر إلى تلك المدينة الجميلة وكانت فرحة كبيرة لي لأنني منذ صغري وأن أحلم بزيارتها، وكان ذلك بفضل مشاركتي في فيلم السطوح الذي نال إعجاب الجمهور، كانت لي كذلك فرحة كبيرة لما ذهبت إلى مهرجان كان السينمائي الذي كان من بين أحلامي التي تحققت، بعدما  مشيت على البساط الأحمر مع المخرج الكبير مرزاق علواش وبعض الممثلين، من خلال فيلم “التائب” الذي تحصل على جائزة.

حدّثنا قليلا عن أعمالك؟

أثريت مسيرتي الفنية بحوالي 250 عملا، بين المسرح والسينما والشاشة، وتقمصت عدة أدوار في عدة أعمال سينمائية وتلفزيونية مثل:  ناس ملاح سيتي، ومفترق الطرق لمخرجه حسن ياسف، أعصاب وأوتار، بابور الدزاير، جحا، ريح تور، بيتنا، دورية نحو الشرق للمخرج عمار العسكري ، ناس الحومة لعمار محسن، البذرة، وفي المسرح الحوات والقصر، عرس الذيب لعمار محسن.. وغيرها.

أحب الأدوار إلى قلبك؟

أقرب دور إلى قلبي هو رئيس دورية في فيلم دورية نحو الشرق، الذي تعذبنا كثيرا في تصويره وقضينا حوالي 6 أشهر في قالمة وكان لهذا الفيلم دور كبير في تعريفي بالسينما بكل حيثياتها.

أما في التلفزيون كان لي الحظ مع الأخ محمد حازورلي بسلسلة نجحت، هي سلسلة أعصاب وأوتار، التي كانت حاضرة  في رمضان أكثر من 20سنة وكانت سلسلة فكاهية ناجحة، وناس ملاح سيتي الطبعة الأولى أين كنت مديرا فنيا وكتبت عشرة من حلقاتها مع المخرج جعفر قاسم، وكان لي فرصة مع حمراوي حبيب شوقي الذي أعطاني مسؤولية في ألحان وشباب كمدير مدرسة لمدة أربع سنوات، التي كانت تجربة كبيرة لي حيث تعرفت على مواهب شابة كثيرة.

ما هو رأيك في المواهب الشابة التي سبق لك وأن تعاملت معها في مدرسة ألحان وشباب؟

هناك مواهب رائعة  كلامية من مستغانم، التي دخلت إلى ألحان وشباب ولم يتجاوز عمرها 16 سنة رأيتها مؤخرا في ملحمة  لأول نوفمبر واحتلت الدور الأول، كان ذلك شرف كبير لأنها كانت تلميذتي، وهناك عدد كبير من المواهب، لكن للأسف لا يوجد متابعة ولا تأطير، والدليل أنه في الطبعة الرابعة لألحان وشباب كان هناك صوت رائع وهو يوغرطة، الذي وصل إلى ارب آيدل وآخرون ممن وعدوهم ولم يوفوا بوعودهم، لكن الثقافة مسألة عامة وهناك مشكل كبير في الثقافة في الجزائر، وأقولها بكل صراحة أن السلطات العليا يجب عليها أن تأخذ قرار لإخراج الفنان من هذه الأزمة، بوضع قوانين تحمي الفنان.

الشهرة هل لها تأثير سلبي أم ايجابي عليك ؟

الشهرة لها تأثير ايجابي ، عندما أجد أن الناس جميعا يعرفوني ويحبوني وأبقى في ذاكرتهم .. فأنا اعتبرها هي ثروتي التي لا تعادل أي ثروة، وهل توجد أغلى وأغنى من هذه العلاقة الحميمة بين الفنان وجمهوره؛ فحب الناس لي هو سر مهم في حياتي.

لماذا الدراما الجزائرية غائبة عن الساحة العربية ؟

 لدينا ممثلين كبار يملكون الخبرة والمؤهلات العالمية وليست فقط العربية. الزمن يمر علينا، وقد قطع العالم مراحل من التطور العلمي الذي غزا العالم ومازلنا نحن في الخلف، ونعاني من استعراض العضلات فقط، وأقولها بصراحة، إما أن يكونوا غير مخلصين إو قليلي الخبرة إلى الآن، والدواء الناجح للانتشار عربيا هو التسويق وان نفهم ماذا يريد المجتمع العربي بصورة عامة، واستخدام المفردات العربية المطلوبة. امتزاج الطاقات العربية واشتراك الممثلين العرب معنا، يدفع أعمالنا إلى الانتشار عربيا، أصبح لدينا نجوم تفرض نفسها عربيا فالتسويق هو الذي يخلق.. غير ذلك، نبقى غارقين في الأعمال المحلية المحدودة.

المسرح التجاري الهابط فنيا، هل هو بالفعل يستحق كلمة مسرح ؟ ومن المسؤول على ظهوره ؟

المسرح هو مدرسة الحياة والإنسانية. والفنانون هم مسؤولون أمام الإنسان. قدمنا عروضا مسرحية وكان كل عرض يستمر لمدة. عروض لا تزال راسخة في الذاكرة. كنا نقدم عروضا كوميدية نقدية، ساخرة وهادفة، وبعيدة عن التهريج.. المسؤولية في تقديم المسرحيات الهابطة والتهريج، تقع على الجهات الفنية والإعلامية المعنية بذلك.

رأيك بالكوميديا التي تقدّم الآن، هل تبقى خالدة في أذهان المشاهد ؟

الكوميديا التي تقدم الآن أولا يجب أن تعتمد على النص القوي، وعلى ممثلي الكوميديا الذين يؤثرون في الجمهور، ويشاهدون أنفسهم من خلال ذلك العمل، أي قريبة من واقع الجمهور والابتعاد عن التهريج، والإقناع في الأداء، لكي تبقى الأعمال خالدة في ذهن المتلقي، وهذه تقع على عاتق الشركات والمخرجين في اختيار النص وممثليهم.

شروط قبولك لعمل ما؟

أول شروطي هي النص وبعدها الدور،  فمؤخرا قمت بدور في قناة “كنال بليس” كنت في البداية متخوفا منه، لكن بعدها تقبلته.. المهم أن لا أؤدي دورا ضد بلدي ومبادئي، لكن تبقى بالجزائر أزمة النص وهي سبب النجاح أو الفشل في عمل ما، سواء كان دراميا أو فكاهيا، ونحن اليوم نعاني من عدم وجود كتّاب نصوص يقدرون المسؤولية، رغم أنني أكن الاحترام لمن يحاولون أن يكتبوا للدراما الجزائرية لكن كتاباتهم ليست هي من ننافس بها الدراما في الدول العربية الأخرى، وأنا شخصيا لا أراها تمتلك الحوار الذي أراه هو الآخر فارغا جدا، أضف إلى ذلك، الظهور الفوضوي للأدوار وغير ذلك من مشاكل ليس لها أول ولا آخر.

ما هو دور الفنان للوصول بالفن الجزائري إلى العالمية؟

الفنان أو الممثل لوحده ليس بوسعه أن يفعل شيئا ما لم تتضافر الجهود كلها، وإن لم نوفر له شروط من المحال أن يصعد، حتى أننا مع جيراننا المغاربة لا نعرف بعضنا لأنه لا يوجد تبادل للبرامج، وأنا إن لم يروني في مهرجان” كان” لم يتصلوا بي “لكانال بليس” ولو جاءتني هذه الفرص في سن 25 سنة لكنت وصلت أكثر، كما انه بالجزائر عندنا ممثلين كبار لكن قلة كبيرة في المنتجين، والفن تحول إلى تجارة، ولا يأتون بالمحترفين.

تعدد القنوات هل يخدم الفنان؟

لا توجد رقابة على الفن على الأقل على مستوى اللغة التي أصبحت تمس القيم، عبر السكاتشات التي هي عبارة عن أموال رميت من النافذة، أصبح يستهزأ بنا من الغرباء بسببها، يجب منع ظهور ما يمس بنا كجزائريين.

هل يوجد من سيحمل مشعل الفن بعدكم؟

للأسف لا، وليس الذنب ذنب المواهب والطاقات الشابة الكثيرة، لكن المشكل يبقى قائما مادامت لا توجد متابعة، أعطيك مثالا : جميع المتخرجين من معهد برج الكيفان لا يتم متابعتهم ولا تعطى لهم أية قيمة، ولو وضع في كل ولاية معهد نستطيع أن نتقدم ولو قليلا، فهناك صالات كثيرة مغلقة كصالة إفريقيا، لماذا لا يتم استغلالها .

هل تستطيع أن تعمل عملا آخر غير مهنة التمثيل؟

الفنان كالسمكة في البحر، إذا خرج من عالم الفن يموت، فهو الهواء الذي نتنفسه، كما أنني أصل إلى مشاهدة ثلاثة إلى أربعة أفلام في اليوم، كما تقمصت كل الشخصيات حتى دور دراكيلا، فصوتي المسرحي وقامتي تخدماني كثيرا في مثل هكذا الأدوار، وإعجاب الناس بأدواري يفرحني كثيرا.

كلمة شكر؟

أشكر المخرجين الذين وضعوا ثقتهم بي كالمخرج عمار العسكري ومرزاق علواش و كثيرين، كما وأشكر جمعية أضواء التي تعمل كثيرا في مجال السينما للحفاظ على التراث السينمائي، وجميع المتطوعين فيها.

كلمة عتاب؟

ألوم على السلطة بصفة عامة، لأنهم لم يتكفلوا بالثقافة منذ 1962، ولم يأت قرار سياسي حازم يحمي الفنانين، وألوم بعض الفنانين الذين لم يقوموا بدورهم ممن نسمعهم كثيرا يبكون ويشتكون على وضعيتهم الاجتماعية، وأقول لهم يكفي هذا ويجب أن تبقى قيمة الفنان عالية.

من هو أقرب شخص إليك؟

أولادي، والفن ليس شخص لكنه كل حياتي وأحبه كثيرا، والدليل أنني لا أبحث عن الربح بعيدا عن المسرح والسينما والتلفزيون، لأن الفن هو طريقي بل كل حياتي .

كلمة أخيرة

أشكر مجلة أحلامي، التي تحمل أحلام كل الفنانين وكل الجزائريين بدون استثناء وأتمنى لها التوفيق.

 

 

LEAVE A REPLY