رشيد قريشي : الفنان الجزائري الذي أوصل الخطّ العربي إلى العالمية.
بوداود عميّر
لعل أحد أبرز مظاهر الجمال في اللغة العربية: الخط، وقد تطوّر الرسم والزخرفة بالخط ليصبح فنا قائما بذاته، يسمى الكاليغرافيا (La calligraphie)؛ سيتخذ مع بروز الفن المعاصر أشكالا متعددة في الفنون البصرية. هكذا استوعب هذا الفن الخط العربي في جميع صيغه الجديدة. فليس غريبا، أن نجد فنانين من مختلف بلدان العالم يجيدون مهارة استخدام الخط العربي؛ مثل الرسام الياباني كوئيتشي هوندا، الذي برع في رسم العديد من اللوحات الفنية بالخط العربي، مؤسّسا لمدرسة الخط العربي في طوكيو.
يعتبر الفنان الجزائري رشيد قريشي (1947) أحد أبرز الفنانين في العالم في هذا اللون من الفن الجميل، حيث عرض إبداعاته الفنية في أشهر المعارض الأوروبية والأمريكية، لاسيما المتحف البريطاني العتيد، الذي قام بإدراج مصنفاته الفنية، ضمن معروضاته الخاصة، رفقة أشهر الخطاطين العالميين والرّسامين من مختلف بلدان العالم. يقيم رشيد قريشي حاليا في فرنسا، وكان قد تابع دراسته في معهد الفنون الجميلة، وفي المدرسة الوطنية العليا للفنون بالجزائر العاصمة، قبل أن ينتقل إلى باريس لمواصلة تكوينه في المدرسة الوطنية لفنون الدّيكور وفي كلية الدراسات العمرانية.
هكذا تعرض أعماله الفنية في عدد من المتاحف والهيئات الثقافية عبر العالم، من بينها متحف “جونسون هيربرت” بنيويورك، ومعهد العالم العربي بباريس، ومتحف الفنّ الحديث بباريس والمكتبة الوطنية الفرنسية، وكذلك متحف الفاتيكان، ومتحف الفن الحديث بالقاهرة. كما نال رشيد قريشي العديد من الجوائز العالمية، من أبرزها جائزة الفنّ الإسلامي (2011)، وهي جائزة بريطانية تبلغ قيمتها 25 ألف جنيه إسترليني، تُقدّم مرّة كل سنتين، ليفتكّ الفنان الجزائري المرتبة الأولى عن جدارة، بعدما تنافس مع تسعة فنانين، تمّ اختيارهم للمرحلة النهائية، ضمن مسابقة شارك فيها أكثر من 200 فنان من جميع أنحاء العالم. قال عنه مارتن روث، رئيس هيئة تحكيم الجائزة البريطانية للفنون الإسلامية التي يمنحها متحف “فيكتوريا” التي فاز فيها رشيد قريشي: “إن أعمال رشيد قريشي لفتت الأنظار لأنها حصدت القبول العالمي، كما أن أعمال الفنان الجزائري تصلح لأن تعرض في معرض للفن المعاصر”.
لدى رشيد قريشي بصمة خاصة في رسم الحروف؛ إلى جانب أنه شديد الاطلاع على الثقافة العربية الإسلامية، خاصة الصوفية، وكان قد أنجز كتابا مهما صدر في فرنسا، يحمل عنوان ” Maîtres Invisibles “، يحتفي فيه عن طريق رسوماته الخطية، بنخبة من كبار المتصوّفين منهم : الحلاج، ابن عربي، جلال الدين الرومي، الأمير عبد القادر، ربيعة العدوية، فريد الدين العطار. هكذا عرّف بحياتهم ومسارهم الصوفي، واختار بعناية، حكما وأقوالا مأثورة من نصوصهم، رسمها خطوطا، في غاية الجمال والإبداع. كما كانت له علاقات وطيدة مع أبرز الكتّاب والشّعراء العرب، من بينهم الشّاعر الفلسطيني الرّاحل محمود درويش الذي كان شديد الإعجاب بفنّه، أثمرت العلاقة بينهما عن عمل مشترك، جمع بين قصائد الشّاعر الفلسطيني ورسومات قريشي، من خلال كتاب جميل حمل عنوان “الأمة في منفى”؛ إلى جانب الكاتب المعروف رشيد بوجدرة الذي أنجز له فنيا كتاب “المجتزءات الخمس للصّحراء”، التي قام بترجمتها إلى اللغة العربية الشاعر والمترجم حكيم ميلود؛ كما أنجز أيضا عملا مشتركا مع الكاتب الكبير محمد ديب رحمه الله.
إضافة إلى ذلك ساهم في زخرفة وتزيين العديد من الكتب وواجهات الهيئات والمؤسسات الثقافية، ومن بين أشهر منجزاته رسم وزخرفة عربات ميترو دبي. رشيد قريشي رغم كفاءته الفنية العالية وشهرته الواسعة، وأصالة انجازاته الفنية، لم يحظ للأسف بالاهتمام الذي يليق بمقامه كفنان جزائري عالمي، من طرف الهيئات الثقافية عندنا.