سياسة الترويج لمشاهير السوشيال ميديا في الجزائر: بين التأثير الإيجابي والتداعيات السلبي
شهدت الجزائر في السنوات الأخيرة طفرة ملحوظة في صعود مشاهير السوشيال ميديا، حيث باتوا يسيطرون على المشهد الإعلامي والثقافي والاجتماعي. ورغم أن هذه الظاهرة ليست حكرًا على الجزائر، إلا أن آثارها في السياق المحلي تثير جدلًا واسعًا حول السياسة المتعمدة لترويج محتوى تافه وغير هادف أحيانًا، ومدى تأثير ذلك على القيم الاجتماعية والذوق العام.
جذور الظاهرة ودوافع الترويج
ترتبط هذه الظاهرة بزيادة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تُعتبر منصات مثل “إنستغرام”، و”فيسبوك”، و”تيك توك” أرضًا خصبة لظهور نجوم جدد يُطلق عليهم “المؤثرون”. يُلاحظ أن جزءًا كبيرًا من الترويج لهم يتم عبر وسائل الإعلام التقليدية التي تبحث عن استقطاب جمهور شبابي واسع.
في الجزائر، تُشير تقارير إعلامية إلى أن بعض الشركات والعلامات التجارية تستثمر في هؤلاء المؤثرين لتسويق منتجاتها، مستغلة شعبيتهم الكبيرة. كما أن شركات الإنتاج التلفزيوني بدأت تستعين بهم لضمان نجاح أعمالها، دون الاهتمام بجودة المحتوى أو تأثيره على الجمهور.
إحصائيات حول تأثير مشاهير السوشيال ميديا
نسبة التفاعل:
تشير تقارير محلية إلى أن أكثر من 60% من الشباب الجزائري يتابعون مشاهير السوشيال ميديا يوميًا.
التأثير الاقتصادي:
بلغت إيرادات المؤثرين من الإعلانات الرقمية في الجزائر حوالي 15 مليون دولار عام 2023، وفقًا لتقديرات غير رسمية.
انتشار المحتوى:
أكثر من 40% من المحتوى المقدم من المؤثرين يركز على الترفيه أو عرض الحياة الشخصية، بينما لا يتجاوز المحتوى التعليمي 10%.
نماذج حية من الجزائر
في الدراما: خلال مواسم رمضان الأخيرة، شهدت الدراما الجزائرية مشاركة واسعة لمشاهير السوشيال ميديا، مثل نوميديا لزول وهنا منصور. ومع ذلك، وُجهت انتقادات حادة بسبب ضعف الأداء التمثيلي لهؤلاء، واعتبر البعض أن إشراكهم كان بهدف جذب متابعين بدلًا من تعزيز جودة الإنتاج الفني.
في الحملات الإعلانية: تعتمد العديد من الشركات، مثل شركات التجميل والملابس، على المؤثرات للترويج لمنتجاتها. على سبيل المثال، حققت حملة إعلانية لإحدى العلامات التجارية زيادة في المبيعات بنسبة 25% بعد تعاونها مع مؤثرة معروفة.
في المناصب الإنسانية:
أثار تعيين صناع محتوى في مناصب رمزية جدلًا واسعًا، مثل تعيين إيناس عبدلي كسفيرة للنوايا الحسنة، وهو ما اعتبره البعض إقصاءً لنشطاء ميدانيين حقيقيين.
التأثيرات الاجتماعية والثقافية
تعزيز القيم السطحية
يعتمد العديد من مشاهير السوشيال ميديا على نشر محتوى يركز على الاستعراض الشخصي والرفاهية، مما يؤدي إلى تعزيز القيم الاستهلاكية بين الشباب.
. تهديد القيم التقليدية
يرى بعض المراقبين أن الترويج المفرط لسلوكيات معينة، مثل التخلي عن الحجاب أو التباهي بالثراء، يؤدي إلى تغييرات جوهرية في القيم التقليدية للمجتمع الجزائري.
. استهداف الفئات الهشة
تُظهر الدراسات أن المحتوى التافه يجذب بشكل أكبر الفئات العمرية الصغيرة، مما يؤثر على تطلعاتهم ويحد من وعيهم بالقضايا الهامة.
الجدل حول المسؤولية الإعلامية
تتحمل وسائل الإعلام التقليدية جزءًا كبيرًا من المسؤولية في ترسيخ ظاهرة الترويج لمشاهير السوشيال ميديا، حيث تسلط الضوء عليهم بشكل مبالغ فيه على حساب المبدعين الحقيقيين.
كيف يمكن معالجة الظاهرة؟
تعزيز القوانين:
ينبغي على السلطات تنظيم المحتوى المقدم على المنصات الرقمية، وفرض عقوبات على نشر المحتوى الضار أو المضلل.
التوعية المجتمعية:
يجب على المؤسسات الثقافية والتعليمية التركيز على تعزيز التفكير النقدي لدى الشباب للتمييز بين المحتوى الهادف وغير الهادف.
تشجيع المحتوى البديل:
دعم المبدعين الحقيقيين والمحتوى الذي يهدف إلى تعزيز القيم الإيجابية والتعليمية.
رغم أن مشاهير السوشيال ميديا أصبحوا جزءًا لا يتجزأ من المشهد الثقافي والاجتماعي، إلا أن الترويج غير المدروس لهم قد يحمل مخاطر كبيرة على المدى البعيد. لذلك، يتطلب الأمر توازنًا بين الاستفادة من تأثيرهم الإيجابي ووضع ضوابط تضمن تقديم محتوى يتماشى مع قيم المجتمع الجزائري.
أحلام.بن علال