رواية أرزقي مترف، تنثر السحر والأناقة على صفحاتها، وتأخذنا في رحلة ساحرة تجمع بين الماضي والحاضر. تروي قصة نجاح غير متوقعة، تنطوي على محطات مشتركة في ذاكرة الجزائريين، وتعزز الارتباط العميق بين الأجيال.
وصدرت رواية “شعب شجرة الحور” مؤخرا عن منشورات “القصبة”، وهي تتألف من 233 صفحة يعيد فيها مترف تشكيل جزء من يوميات الجزائريين خلال فترة 1958 ومرحلة استرجاع السيادة الوطنية، وذلك قبل أن ينطلق على ضوء تلك الأحداث في بناء أحداث أخرى متتابعة يضعها في سياق يليق بعالمه الذي يميل إليه، هناك داخل استوديوهات هوليود حيث تتطور فصول أخرى للرواية.
يروي الكاتب قصة بوبكر أتامار، الذي يقيم بأحد الأحياء الشعبية في سنة 1958، وكان عمره ست سنوات عندما وجد نفسه مسجلا في مدرسة يتقاسم أقسامها مع جنود من الجيش الاستعماري، وهي الوضعية غير الاعتيادية التي ستكون دافعا لانطلاق خيال هذا الصبي وأقرانه من أطفال الحي، الذين سيظهرون كل واحد على طريقته نوع من المقاومة والرفض ضد هذا الوضع الغريب.
وعلى مر السطور يغوص الكاتب في توصيف المواقف الإنسانية التي تتعرض إليها شخوصه في هذه المدرسة، وكيف تحولت حالة النفور من المستعمر الفرنسي إلى ما يشبه قانون جماعي يعتبر أي شخص يرفض الرضوخ للقوانين العسكرية المطبقة في تلك المدرسة بمثابة موقف بطولي جدير بشجاعة المجاهدين.
ويمكن اعتبار هذه الرواية نص مفتوح على مرحلة من تاريخ الجزائر في الفترة الاستعمارية، من خلال سرد قصص صغيرة لعائلات بسيطة، مثل عائلة بوبكر أتامار ووالده الذي فقد كل أفراد أسرته في تفجيرات انتقامية استعمارية خلال مجازر 8 ماي 1945.
وبمجرد الدخول إلى الحي الجديد حيث يقطن بوبكر، أراد الكاتب أن يقود القارئ للتعرف على مصير “عائشة” وعائلتها ومن خلالهما على الظروف القاسية التي يعيشها الجزائريون في مزارع المعمرين قبل وبعد اندلاع ثورة التحرير الجزائرية.
تتابع الشخصيات الروائية في هذا النص في قالب كوميدي ساخر مثير للإعجاب، وكثير من القصص والمواقف التي ارتبطت بالفن السابع، وحيث يصبح بوبكر أتامار طالبا في مدرسة للسينما في الاتحاد السوفياتي سابقا، قبل أن يستقر به الحال لفترة بفرنسا، ليجد نفسه لاحقا في استديوهات هوليود بصفته سكريبت.
وينهل مترف من أصوله وثقافته وقراءاته وخياله خلفية أدبية ولغوية وخطابية شكلت قصصا لشخصيات مثل “زومبانو” وعمر “هوميروس” حي شجر الحور، اضافة إلى قصص الجزار الفيلسوف “بوفتيكا”، كما تتحول آلاف الساعات التي قضاها في قاعات السينما، إلى رصيد ثري مكنه من وضع كل شخصية في موقعها وفتح أمام بوبكر أتامار سبل نجاح لم يكن يجرأ على التفكير فيها.
ويعد أرزقي مترف روائي وصحفي وكاتب نصوص مسرحية ووثائقية، نشر أول رواية له “أرباع مسجلة” سنة 1996، و”دوار موسم في المنفى” في 2006، و”شارع الليل” (2020) هذا النص الذي نجد بعض شخوصه الروائية تتقاطع وتتشابه مع ملامح شخوص الرواية الصادرة حديثا.
كما تحمل كتابات الروائي مترف تقاسيم شاعرية لافتة، تجد مبررها في نزعته نحو كتابة الشعر وهو الذي نشر نصوص جيدة مثل “عاكس الضوء” (1996) ناهيك عن قدرته على مسرحة الاحداث التي يرويها في نصوصه مستعينا بقدرته على الكتابة للخشبة مثلما فعل في “الأولوية للريحان” (1997) و”أمفورا” (2002) و”عذاب الساعة الرملية” (2003).
أما في السينما فترك بصمته أيضا في فيلم “آث يني، كلمات من فضة” (2013) و”يوم مشمس” (2018).
باختصار، رواية أرزقي مترف هي لوحة فنية متقنة، تحاكي الماضي وتنطق بالحاضر، وتبث فينا الشغف والرغبة في الاستمتاع بأعمال فنية فريدة من نوعها. إنها قصة تجذب القراء وتجرهم إلى عالم آخر، حيث يتلاقى الواقع بالخيال وتتجسد أحلامنا في صورة حقيقية.