في السنوات الأخيرة برزت جملة من الظواهر الجديدة تخص الطفل والتي غزت المجتمع الجزائري بقوة وقضت على كل معاني الطفولة في هذا الأخير، أين بات الطفل يفقه في أمور الكبار ويقوم بأمور لا تناسب سنه، فمن المسئول عن هذه التصرفات؟

أحلام بن علال

عمالة الأطفال ..إلى متى؟ 

تعتبر عمالة الأطفال في الجزائر من بين الظواهر الخطيرة التي تمتد بمباركة من الأهل تارة وتارة أخرى بسبب الحاجة والفقر، لكن بين تلك وذاك  تهديد لمستقبل الطفولة نظرا لعمل الطفل لجني المال على حساب طفولته المسلوبة منه، وبهذا الصدد يقول مولود 35 سنة من بلوزداد:” في الكثير من الأحيان الأولياء هم من كانوا يقومون بدفع أبنائهم إلى العمل لكسب قوتهم، وهناك من يراه أنه يعلمه الاعتماد على نفسه في حين انه يفقده الاستمتاع بطفولته بدون وعي، ولذا فلابد على الإعلام  والأئمة وغيرهم من الجهات المعنية بالأمر من توعية الآباء حول خطورة عمل أطفالهم الذي يسلب منهم أجمل أيام العمر”، وخلال جولتنا الاستطلاعية استوقفنا مشهد لأحد الأطفال المتواجدين على حافة الطريق الرابط بين زرالدة ودواودة  قبيل أذان المغرب يبيعون الخبز التقليدي وبعض من مستلزمات الطبخ، فتقدمنا إليهم للحديث معهم حول الدوافع التي دفعتهم للعمل في زمن الكورونا دون خوف من انتقال العدوى ليجيب ياسين 11 سنة:” أنا أعمل لأساعد والدتي في مصروف البيت خاصة بعد تخلي والدي عنا أنا وأخوتي ورمانا في الشارع لذا لابد علينا من العمل وبأي طريقة من أجل كسب قوتنا وإذا مرضنا بالكورونا فالله يشفينا”.

 رقصات على أغاني ومجون

باتت العديد من مواقع التواصل الاجتماعي تبث  فيديوهات لرقصات لأطفال على وقع أنغام مبتذلة وآخرون  يدخنون سجائر تحت أنظار المصورين والأهل لتكون مثل هذه الأمور طريقا لدخول عالم المجون والإنحراف، تقول سليمة نمور من العاصمة:” أطفالنا تحولوا إلى شباب حيث تعدو مرحلة الطفولة بمجرد دخولهم إلى المدرسة وخروجهم إلى الشارع أين أصبحنا نرى العجب المعجب منهم، ناهيك عن الألفاظ التي يتلفظون بها، وإبني واحد منهم حيث لا يتعدى عمره 9 سنوات لكن عند الحديث معه تحس كأنه في عمر 20 أو أكثر، ناهيك على ما نراه يوميا على الفايسبوك من أطفال يدخنون هذا هو دافعي الرئيسي  لاتخاذ السلوكات المشينة”.

البلوغ الفكري المبكر ..شغلهم بقصص الحب

باتت قصص الحب والغراميات لا تقتصر على المراهقين، حيث صار أطفال دون سن 14 يغرمون ويتواعدون مثلهم مثل الكبار، تقول حفيظة من زرالدة:” إبني كان في كل مساء يعود فيه من المدرسة يحكي لي عن زميلته في البداية ظننتها مجرد حكاية لا أقل ولا أكثر ليطلب مني خطبتها، هنا كانت المفاجأة لي ولوالده واخبرنا بعدها إنهما على علاقة غرامية منذ أكثر من سنة، وهنا سالت نفسي هل الخطا خطئي أم ماذا؟ وأين الخلل!!.

” حملوا السجائر بدل الكتب والكراريس “

وللتعمق أكثر في الموضوع اتصلت مجلة “أحلامي” بالمختصة الاجتماعية “هاجر دحماني” والتي قالت:”إن الطفل اليوم هو ضحية ما يدور حوله من متغيرات ثقافية و اجتماعية و تربوية، كذلك في ظل غياب دور الوالدين في الإشراف عليهم و تنشئتهم تنشئة اجتماعية تتسم بالقسوة و العدوان و الإهمال و الأشكال المختلفة للعقاب سواء البدني أو النفسي و غير ذلك من الاتجاهات التي تخرج عن الوسطية و الاعتدال تجعل الطفل يتمرد و يخرج للشارع الذي هو نواة الآفات الاجتماعية من سرقة غش، تعاطي المخدرات إضافة إلى تنامي ظاهرة العمالة أو استغلال الأطفال التي تعتبر أكبر ظاهرة حرمان اجتماعي و إنساني لها نتائج خطيرة تستمر مع الفرد و مع المجتمع لفترات طويلة جدا و العاملون الصغار لا يواجهون ظروف عمل خطيرة فحسب بل أيضا معاناة بنيوية و عاطفية على المستوى البعيد كما يواجهون البطالة و الأمية عندما يصلون إلى سن البلوغ و هي الحلقة المفرغة التي تدور فيها الأسرة، وتعود أسباب تنامي هذه المشكلة إلى تزايد حدة الفقر و تدني مستوى التعليم عند الأولياء، طفل اليوم هو مشروع الغد أنا كمختصة في علم اجتماع العائلة و الطفولة أؤكد على وجوب تضافر الجهود من أجل حمايته و إنقاذه من كل ما يهدد كيانه و ذلك بإتاحة الفرصة للانخراط في المجتمع كي يصبح عضوا فعالا مما يكسبه هوية ثقافية و شعور بالانتماء، حمايته من أي عنف أو استغلال بكل أنواعه استدامة الدعم و الرعاية الوالدية في هذه المرحلة الحساسة”.

“التعامل مع الطفل معاملة الراشد هي من قضت على طفولته”

ولمعرفة المزيد من المعلومات حول الظاهرة كانت لنا وقفة مع الأخصائية النفسانية “بلاكة بهية” حيث تقول:”أصبحت الطفولة تعامل من طرف البعض معاملة الراشد كونها جيل يقظ جيل التكنولوجيا، حيث بات الطفل محروم من حقوقه في المجتمع الجزائري بمعنى حقه في اللعب  أين ينمي معظم قدراته المعرفية التواصلية والاجتماعية أصبح ممنوعا في شارع كون معظم القضايا التي شهدتها الجزائر في هذه الفترة من قتل اغتصاب و خطف، و التسرب المدرسي التي أصبح في تزايد وخاصة في المدن المجاورة أي خارج الجزائر العاصمة  ما دفع بهم لتحمل المسؤولية العائلية من الجانب المهني في غياب النضج العاطفي الانفعالي وهذا نظرا للانتقال من مرحلة نمو إلى أخرى بدون تمتع الطفل او استغلال مهاراته وبذلك من نتائج هذه المعاملة الصراعات النفسية في شخصية هؤلاء الأطفال التي تملأ فراغهم بأفكار تقلل من معناوياتهم وسوء تقدير ذاتهم وبذلك يسقطون في متاهة المخدرات بكل أنواعها بالرغم من انهم في سن ما قبل المراهقة الابتدائي وهذا نتيجة لعدم التوازن النفسي وسوء التنشئة الاجتماعية، فالطفل أو المراهق الجزائري لا يحتاج إلى مراكز إعادة التربية وإنما إلى مراكز لرعاية النفسية الاجتماعية والراحة من أجل مراعاة كل المحارم منه لأن هذه المراحل تأثر عليه في سن الرشد وتساهم في ظهور اضطرابات نفسية وأمراض عقلية”.

ومن باب معرفة نظرة القانون الجزائري حول حقوق الطفل كان لنا حديث مع المحامي أكرم.م الذي قال:” إن الطفولة هي مرحلة يمر عليها أي إنسان في حياته ، و لها وقت محدد و اعتبارات خاصة من منطلق بناء شخص سوي أو مجرم أو شخص منعزل أو اجتماعي، و للطفل تفكير خاص به يتأثر معه بالعوامل المحيطة به ،  لكن و بالملاحظ بما يدور في المجتمع نجد أن كثير من الأطفال قد انحرفوا على الطريق و أصبحوا يمارسون أشياء اكبر من عمرهم منها السرقة و المخدرات، الشغل المبكر و هذا كله راجع لعدم مراقبة و متابعة الأسرة لهذا الطفل و ترك المدرسة هي التي تربي النشأ و فقط و هو المفهوم الخاطئ للأسرة التي تعتبر الركيزة الأساسية لحماية الطفل و تعديل تفكيره” ليواصل الحديث: وفي قانون الاحداث المعدل هنالك العديد من القوانين التي تحمي الطفل من بينها مايلي:المادة الأولى: يهدف هـذا القانون إلى تحديد قواعد وآليات حماية الطفل، المادة 2: يقصد في مفهوم هذا القانون يأتي: “الـطـفل”: كل شـخص لم يـبـلغ الـثـامـنـة عـشـر-18- سنة كاملة يفيد مصطلح “حدث” نفس المعنى، حين يكون الطفل في خـطـر”: الـطفــل الذي تـكون صـحته أو أخـلاقه أو تــــربــــيـــتـه أو أمـــنـه في خــــطــــر أو عـــرضــــة له أو تكون ظروفه المعـيشية أو سلوكه من شأنهما أن يعرضاه لـلـخـطـر المحـتـمـل أو تـضـر مسـتـقـبــله أو يـكـون في بـيـئـة تعرض سلامته البدنية أو النفسية أو التربوية للخطر، إذا اقتضت مصلحة الطفل حمايته من الاسـتــغلال الجـنـسي لـلــطـفل بمخـتــلف أشـكـاله من خلال اســتــغلاله لاســيــمــا في المــواد الإبــاحــيــة وفي الــبــغـاء وإشراكه في عروض جنسية، الاستـغلال الاقـتـصـادي لـلـطفـل لا سيـمـا بـتـشـغـيله أو تــكـلــيــفه بــعـمـل يـحــرمه من مــتــابـعــة دراســته أو يــكـون ضارا بصحته أو بسلامته البدنية .

LEAVE A REPLY