الهجرة غير الشرعية
معضلة المجتمع الجزائري في صفحات “بحر الطوفان”
إن كنت عاشقا للبحر وحكاياه وكل تفاصيله بلا شك صورة الغلاف ستلفت انتباهك.اليم ولونه الازرق الساحر، تعلوه سماء بذات اللون الذي عكسته على البحر، ولن يزعج تأملك وجود يد تستغيث تشي أن مضمون الكتاب لا يحمل ما هو سار!
أما لو قلبت صورة الغلاف أي جعلت أسفل الصورة إلى الأعلى سترى قاربا صغيرا على الشاطئ وستستمتع بتأمل الرمال بتدرجات ألوانها، يفصل بين الصورتين(البحر واليد المستغيثة بداخله والقارب المركون) العنوان بحر “الطوفان ” .
أسلوب الكاتب كان سليما من ناحية ترتيب الأفكار ومناقشة الموضوع المسلط عليه الضوء، والانتقال من حدث الى آخر. يخلو الكتاب من التمطيط الذي عادة ما يوقع المؤلف في الحشو واللف والدوران ويضجر القارئ، في أقل من مائة صفحة تم سرد أحداث القصة و طرح العبرة منها .
الموضوع الرئيسي هو الهجرة غير الشرعية، يعد هذا الموضوع متداولا، تم طرحه أدبيا سينمائيا ومؤخرا دراميا، لكن زاوية الطرح في “بحر الطوفان” لفتت الأنظار حول العقول المدبرة والمروجة للهجرة، تزينها للشباب ثم تقنعهم بها وفي الأخير تجعلهم وجبة طازجة للبحر.
يوضح الكاتب كيف تنجو هذه المجموعات بفعلتها وتستمر في نفث سمومها دون أي رادع . “وليد” بطل الرواية هو صورة رمزية للعديد من الشباب الجزائري الذي يعيش حياته “يطيح وينوض” لكن بالحلال قبل أن تسمم شياطين الإنس أفكارهم وتقنعهم أن هذا النوع من الحياة لن يسمو بهم إلى أي مكان، وأن العمل في الظلام يحقق حياة الرغد.
وما إن بتبنى الشباب هذه النظرية حتى يدخلوا في غياهب الحرام، ليس بالضرورة أن يغدو الشاب مرشدا للحراڨة لكن هناك آفات أسوء نالت من اليافعين الذين زرعوا فيهم عبارات إنتحارية من نوع “اللي قراو واش دارو”! “ما بقات قعدة في البلاد”!…الخ أثناء القراءة سيخيل لك ان الكاتب يبرر بعض الشيئ أسباب الفتية في روايته في التفكير “بالحرڨة” على لسان بطل الرواية الذي قال أن الوضع في البلد هو المسؤول الأساسي عن اتخاذ هذا القرار، لكن في الصفحة رقم “60” جمع حوار عميق الجزائري وحراڨ سوري يوضح فيها هذا الأخير أن ما نعتبره من يوميات حياتية نحن (كجزائريين ) روتين وبديهيات أصبح عندهم حلما لكن استصغارنا للنعم وعلى وجه التحديد الأمان والحرية حولنا إلى أكفاء لا نبصر إلا السلبيات وناقمين على كل شئ! ستخبرك الرواية أن البحر لا يؤمن له جانب وقد ينال من أعرق البحارة أوعلى الأقل يضنيهم ويتلاعب بهم،كذلك بين طيات أوراقها ستتجول قليلا في أزقة العاصمة.
في صفحات هذا الكتاب سيلقنك بكل واقعية أن الأشرار ينتصرون في الأرض ويفلتون بفعلتهم،هذه ليس دعوة لامتهان الشر بل فقط لتتعلم أن لا تخالطهم، ولا تدع تمساحا يجرك إلى مستنقعه ولا وغدا يسحبك نحو عالمه لأنه تعلم أصول اللعبة وينجو وأنت الساذج تضحي بسمعتك ومستقبلك وخير نموذج “عمي مختار” و”العنابي” مع”وليد” و”الحراڨة”. “لو غلبنا الحكمة على الطمع”كان أكثر اقتباس استوقفني، لأن مصائبنا كنفس بشرية هي الانسياق لنزوات النفس، وفي لحظة إغواء نصم آذاننا عن صوت الحكمة والضمير وتكون التبعات مكلفة وقاسية.
المؤلف لا ينتصر للهجرة السرية لا يجدها خلاصا مهما ساءت الظروف، والخاتمة التي كتبها كنصيحة تستحق التثمين، وجهها لكل من تسول له نفسه بتجربة بحر الطوفان.
أشارككم اقتباس من الرواية يصف الجانب المسالم للبحر إن اتخذناه خليلا وليس سبيلا إلى الضفة الشرقية. سكون المكان يجعلني أدخل في حوار سري مع البحر، أشكو له معاناتي وألمي هو لا يعطيني حلولا ولكن هدوءه وجمال زرقته يملأ قلبي بمشاعر عذبة،ويجعلني أنسى للحظات هموم الدنيا.
عادة إذا رشحت فيلما أو كتابا لقارئ أو صديق لا يفوتني أن أقترح له الأجواء والطقوس الملائمة لما سيقرأ أو يشاهد. “بحر الطوفان” مناسب لقارئ مبتدئ نظرا للأسلوب السهل والممتع.
سيجعله فور إتمامه يبحث عن تجربة قراءة جديدة .
أما للقارئ المتمرس هو مناسب لسهرة ليلية خريفية مع كوب كابوتشينو، ولأن الليل أطول خريفا يكون هناك متسع من الوقت لاتمام الكتاب وكتابة تقرير حوله . أتمنى لكم قراءة ممتعة.