لمحات أدبية بأسلوب راق
إن المتتبع لمنشورات الكاتب الجزائري الكبير”بوداود عميــّر”عبر صفحته على الفايسبوك يلاحظ شغفه بالثقافة والمثقفين، بالأدب والأدباء وخاصة بالكتابة والكتاب الجزائريين منهم والأجانب، إذ نشر العديد من القصص وما تنشره المجلات على المواقع الالكترونية، الى جانب اهتمامه بحقل الترجمة، من خلال ترجمته مجموعة من الكتب إلى اللغة العربية، بكتابات وكلمات راقية ترفع العقول تبهج القلوب بمعانيها الجميلة يفيدنا دائما، ومن أهم منشوراته التي لقيت استحسان القراء من متتبعيه مايلي:
أحلام بن علال
قصة جوزيت اودان أرملة المناضل موريس اودان
والتي قال عنها أنها قصة مثيرة حقا؛ عندما زارتها صحيفة “ليمانيتي” في منزلها الفرنسي؛ تفاجأ الصحافيون بصور زوجها موريس تملأ جدران المنزل، دفاتره، رسائله، مناشيره، ذكرياتهما، صورتهما معا؛ لم تتزوج بعده، عاشت وفية له، تناضل من أجل الحقيقة : حقيقة مقتله وتعذيبه واختفائه. رغم تقدمها في السن (85 سنة) لا تزال تتذكر لقاءها مع موريس في جامعة الجزائر، جمعهما الشغف بمادة الرياضيات والنضال ضد الاستعمار الفرنسي، هكذا تزوجا وأنجبا ثلاثة أطفال. كان بيتهما مأمنا يأتيه الفدائيون الجزائريون، يخططون فيه للثورة ولعمليات فدائية في عز معركة الجزائر؛ لن تنسى أبدا يوم 11 جوان من سنة 1957، يوم حطم المظليون الفرنسيون باب منزلها، في ساعة متأخرة من الليل، وألقوا القبض على زوجها موريس، أطفالها الثلاثة يصرخون، لن تنسى أبدا، ما قاله لها موريس وهم يضعون القيود في معصميه : ” اهتمي بالأطفال”؛ من يومها لم يعد الى المنزل، تم تعذيبه واغتياله؛ ثم سرعان ما منعوها من الالتحاق بثانوية “باستور” بالعاصمة كأستاذة الرياضيات.
ابنتها ميشيل (1954) ستدرس الرياضيات في فرنسا، كأبيها وأمها، وستصبح واحدة من أشهر الأكاديميات الفرنسيات في الرياضيات عبر الجامعات الفرنسية، بفضل أبحاثها ودراساتها العلمية المتميزة، هكذا سيمنحها الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي، وسام شرف من درجة فارس، لكنها سترفض تسلم الجائزة المرموقة، وستكتب لساركوزي منددة بتجاهله رسالة أمها الموجهة له بخصوص اعتراف الدولة الفرنسية بتعذيب ومقتل موريس اودان. وقد علمت من الصديق الدكتور نور الدين جباب من جامعة الجزائر، أن ميشيل ابنة موريس اودان عالمة الرياضيات، تأتي من فرنسا كل سنة، وبانتظام، متطوعة إلى جامعة باب الزوار، تأتي على حسابها الخاص، دون تدخل الجامعة أو وزارة التعليم العالي، لتلقي سلسلة من المحاضرات على طلبة الليسانس والماستر.
ترى هل يعرف هؤلاء الطلبة قصتها؟
“فيليب روث” عملاق من عمالقة الأدب العالمي:
خصصت صحيفة “ليبيراسيون” الفرنسية عددها أمس للكاتب الامريكي فيليب روث، الذي رحل قبل أيام؛ رحيله شكل حدثا عالميا بامتياز، بوصفه أحد عمالقة الأدب العالمي المعاصر؛ كاتب غزير الإنتاج، حاز على كبرى الجوائز الأدبية العالمية ما عدا نوبل. وحده الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، ومن ورائه البيت الأبيض، من لم يشر – متعمدا – بكلمة واحدة في حق الكاتب الأمريكي الكبير. الصحيفة الفرنسية أعادت حوارا كانت قد أجرته مع الكاتب العام الماضي، والذي أجاب عن سؤال حول رأيه في الرئيس الأمريكي الحالي، قال فيليب روث : ” الكابوس الذي تعيشه أمريكا الآن، وهو كابوس حقيقي، نتيجة انتخاب الأمريكيين لرئيس يتميز بأنانية مفرطة، كذاب آشر، جاهل، ثرثار، كائن خسيس يغذيه فكر الانتقام، انسان هرم.. ما من يوم يمر، حتى نتأكد من خلال سلوكه وممارساته، قلة خبرته؛ غباوة التصريحات التي يطلقها علنا، تثير غضبنا واستياءنا؛ ليس هناك حدود للوبال التي سيشكله جنون هذا الرجل على امريكا والعالم كله..” وفي مكان آخر يتساءل في دهشة : “كيف أمكن للبلد الذي اقترع مرتين لباراك أوباما، المثقف الذكي والمحترم، أن ينتخب نقيضه تماما ؟”
شخصيا لم أقرأ لفيليب روث، قرأت عنه وعرفته اسما أدبيا كبيرا، بحثت عن أعماله في صالون الدولي للكتاب دون جدوى؛ اليوم حملت روايته “سخط”، مترجمة الى اللغة العربية، تبدو رائعة ومشوقة، وأنا أقرأ بنهم صفحاتها الأولى.
واية “صمت البحر” من أشهر أعمال أدب المقاومة
وعن الاعمال الروائية القصيرة التي تحمل اكثر من معنى ومغزى قال: أحيانا تقرأ عملا روائيا قصيرا، يقول أشياء كثيرة وجوهرية، أفضل من روايات كبيرة الحجم تكاد لا تقول شيئا؛ رواية “صمت البحر”، لا تكاد تتجاوز 60 صفحة، تقرأها بمتعة وفائدة في أقل من ساعة. أصبحت هذه الرواية واحدة من أشهر أعمال أدب المقاومة في فرنسا وفي العالم، وقد اقتبست الى أفلام سينمائية ناجحة. القصة ألفها الكاتب الفرنسي فيركور (وهو اسمه المستعار)، أثناء الاحتلال الالماني لفرنسا سنة 1942؛ تتناول القصة حياة عائلة فرنسية تتألف من رجل مسن وابنة أخته الشابة، سيسكن معهما – وبدون رغبتهما- ضابط ألماني، والذي سيحاول عبثا التحدث معهما، لكنه سيقابل بالصمت وباللامبالاة، رغم إبدائه حسن النية وثقافته الواسعة. يقول الناشر اللبناني في مقدمة النسخة المترجمة للعربية : “نحن بحاجة دائمة ومتجددة لهذا النص لجيل جديد من القراء، فاته الاطلاع عليه بسبب التقادم، وخلو المكتبات منه، ولأن كتابة كهذه تمثل ضرورة روحية مادامت الاحتلالات لم تنته، خاصة الاحتلال الصهيوني لفلسطين.. تقول الرواية، أن تخضع الأرض للاحتلال مسألة يمكن معالجتها بأكثر من وسيلة، أما أن تُحتل الأرواح فمعالجتها تقارب المستحيل”.
من الأجمل أن مواقف هذا الكاتب الفرنسي لن تقف عند حدود الكتابة، سيكتشف أن بلده المحتل أجرم في حق الشعب الجزائري؛ هكذا سيعيد سنة 1957 وسام مقاومة أسداه له الرئيس الفرنسي، بسبب “المجازر المرتكبة ضد الشعب الجزائري” كما عبر في رسالة رفضه.
المشهد السينمائي لم يسلم من التمييز والعنصرية
هذا وقد أشار كاتبنا إلى مأساة العنصرية والتمييز عبر منشوراته في حديثه عن الكتاب الذي صدر في فرنسا، 16 ممثلة فرنسية من ذوات البشرة السوداء، أغلبهن من أصول أفريقية، سيعبرن عن غضبهن من التمييز العنصري الذي يتعرضن له في المشهد السينمائي والتلفزيوني الفرنسي؛ ستقدم كل ممثلة شهادتها عن العنصرية وعن التمييز الذي عاشته . تقول الممثلة ناديج بوسون : ” كان في عمري 21 سنة،اخترت الفن، كنت أشعر أنني بطلة حياتي، قوية وحرة؛ كنت أعتقد أن كل شيء ممكن، وأنه باستطاعتي مثلا أن أجسد دور ” جولييت” أو “كاميليا”.. لكن للأسف الشديد، وبعد مرور 25 سنة، اكتشفت أنني سوداء قبل أن أكون أنا”. الممثلة فيرمين ريشارد (70 سنة ) تجربة طويلة في السينما، ولا مرة تقول اقترح عليها تجسيد دور طبيبة أو جراحة، فقط دور ممرضة. اغلب الممثلات طلب منهن تغيير لكنتهن الافريقية، لأنها لا تتناسب وكثير من الأدوار.
تمنيت لو أن ممثلينا من ذوي الأصول المغاربية، كتبوا شهادتهم – وهي أفظع وأكثر تعاسة- عن التمييز والعنصرية، والأدوار التي يجسدونها هناك، والتي لا تخرج غالبا عن أدوار اللصوصية والمخدرات والارهاب
الكاتب والرسام الاسباني جوزي بابلو غارسيا
هذا الكاتب الذي زار الأراضي الفلسطينية المحتلة، ورسم بريشته تفاصيل مشاهداته، حول معاناة الشعب الفلسطيني اليومية، وصموده، وحول الحصار الجائر عليه، وأيضا حول غطرسة واستبداد الصهاينة؛ الشريط المرسوم، سينجح وسيترجم الى عدد من لغات العالم ومنها الفرنسية؛ هكذا سيخصص له الكاتب والاعلامي الفرنسي باتريك بيسون عموده في مجلة le point الفرنسية، هذا الأسبوع؛ سيشيد بمضمون العمل ونزاهة الرسام وشجاعته؛ وكأن الكاتب باتريك بيسون، من خلال تناوله هذا العمل تحديدا، يجيب زميله في المجلة برنارد هنري ليفي، الذي كتب قبل أسبوعين، بنفس المجلة، مقالا استفزازيا، يحتفي فيه باسرائيل ويشيد “بانجازاتها وإنسانيتها” في ذكرى تأسيس هذا الكيان المغتصب.
“إبراهيم حجاج”..الممثل الذي لم ينصفه القائمون على الشأن الثقافي
بدوره “بوداود عمير” أشاد بالممثل الجزائري إبراهيم حجاج، و الذي جسّد دور الشّهيد علي لابوانت في فيلم “معركة الجزائر”؛ ورغم أنه وقف لأول مرة في حياته أمام الكاميرا، ولم يتلقّ أي درس في الفنون الدرامية من قبل، لكنه استطاع بكاريزما وصدق في الأداء، أن يلعب الدور الذي أُسند إليه على أفضل وجه، افتك إعجاب من شاهد الفيلم في الجزائر وفي خارج الجزائر. الممثل إبراهيم حجاج رحمه الله، مات منسيًّا ومهمّشا في بلده، عانى بؤس الحياة في السنوات الأخيرة قبل وفاته؛ رغم أن فيلم “معركة الجزائر” حقق إيرادات مالية ضخمة، في الجزائر وخارج الجزائر. لم يتذكره المجاهد ياسف سعدي منتج الفيلم، ولم ينصفه القائمون على الشأن الثقافي في وزارة الثقافة، أو فكروا في تكريم هذا المواطن الجزائري البسيط، الذي كان أحد أسباب نجاح واحد من أعظم الأفلام في تاريخ السينما العالمية عبر جميع العصور
وعن الأفلام الإيرانية قال:
من لم يشاهد فيلما ايرانيا في حياته، يكون قد ضيع على نفسه شيئا من المتعة والسحر ودهشة الحياة.. هكذا تحرص المهرجانات السينمائية العالمية حرصا شديدا، على برمجة أفلام ايرانية.. فيلم “البائع” – مثلا- للمخرج الايراني أصغر فرهادي، شاهدته أكثر من مرة، ومع كل مشاهدة سأكتشف شيئا جديدا ومتعة جديدة وقضية جديدة؛ الفيلم حصد جوائز عالمية كما لم يحصده أي فيلم آخر في العالم؛ سرعان ما سيتحول مخرجه الايراني من خلاله – ومن خلال أفلام أخرى له ناجحة – إلى مخرج عالمي بامتياز، هكذا سيحصل له شرف افتتاح مهرجان “كان” السينمائي هذا الثلاثاء 8 ماي، بفيلم جديد، جرى تصويره في اسبانيا ومع ممثلين اسبان، عن قصة وسيناريو المخرج الايراني، الذي سيلقي أمام الحضور كلمة الافتتاح.
السينما الايرانية، بلغت العالمية بأفلام تستمد قصصها من يوميات مجتمعها ورحم همومها، لا تعتمد على بهارات جنسية أو مشاهد عنف، أو تنازلات اجتماعية أو سياسية “لإرضاء” الغرب. وربما هذا هو سر تفوقها واعتراف العالم بها.
محمد أديب:مؤسس الأدب الجزائري
وعن الكاتب “محمد أديب” قال: “محمد ديب، الكاتب الجزائري الكبير، والأب المؤسّس للأدب الجزائري والمغاربي المكتوب بالفرنسية. من لم يتسنّ له قراءة أعماله، لا شك شاهد أو أعاد مشاهدة المسلسل التلفزيوني الناجح “الحريق”، والمقتبس من ثلاثيته الشهيرة؛ ويكون قد تعرف من خلاله على وطنية الرجل، وكيف استطاع أن يتحسس برهافة الكاتب، أحاسيس شعبه وهمومه. محمد ديب رغم مكانته وقيمته الأدبية، عانى الكثير من التهميش، ولم يعامل كقامة أدبية سامقة عندنا في الجزائر؛ كما تعرض لحصار إعلامي في فرنسا، ولم ينل جوائز أدبية كان يستحقها، لأنه ربما، لم يتنكر لأصالته وجزائريته وهويته.
صديقي الروائي والاكاديمي الدكتور حسين علام، وهو أحد أهم المشتغلين على أدب محمد ديب، ترجم آخر حوار أجري مع كاتبنا الكبير، قبل وفاته بمدة قليلة. سنكتشف أشياء مهمة في حياته، في طفولته، ونظرته للأدب والحياة.. أعجبتني – مثلا- إجابته في سؤال حول العلاقة التي تربطه بوالدته، قال محمد ديب:
“كنت أنا وأمي نعيش معا في حميمية الخبز؛ خبزنا لم يكن ممنوحا لنا بسهولة. أعني أنّ والدتي وأنا، لم يكن يناسبنا أبدا أن يصنع الآخرون خبزنا، كائنا من كان، سواء كان خبازا، أو رجلا أخر، أو مقابل المال، أو حتى أختي الكبرى أو عمتي أو الجارة.. لم تكن أمّي تحب أن تخبزه لنا أيّة امرأة من العائلة، بل كانت تعجن خبزنا بيديها…”
/////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////