عادة ما أميل أثناء كتابة المقالات الى تدوين ما فيه إجماع من طرف الجمهور، حتى أكون أصبت في محاكاة الرأي العام مع وضع زاوية صغيرة لوجهة نظري الخاصة. لكن في هذا المقال اخترت توثيق ذكريات شخصية مع عيد الفطر، وإن كنت على ثقة أنها تلامس” النوستالجيا” الخاصة عند من هم من جيلي.
عندما كنت صغيرة لم أكن أسعد بالعيد إطلاقا لشدة تعلقي بتفاصيل رمضان وروحانياته رغم عدم فهمي لها تماما كطفلة.
وكان يتميز رمضان بأن الحجم الساعي لتواجدنا بالمدرسة أقل مما هو عليه في الإفطار وهذا أيضا من أسباب تعلقي برمضان وامتعاضي من الإفطار.
كانت تؤنسني فكرة أن الشياطين مكبلة في الشهر الفضيل لذا أثناءه اخرج إلى فناء المنزل ليلا مطمئنة أما أول يوم من العيد أهمس لنفسي أن الجن أطلق سراحهم يجب ان يرافقني أحد من أهلي ليلا إلى الفناء. كان هذا الشق السيئ لعيد الفطر من الطفولة، بينما كنت أحب رائحة الحنة التي تنبعث من يدي فقد كان وأعتقد لازال من عادات الأمهات وضعها للصغار ليلة العيد، ويشتد سروري بتأمل حذائي الجديد وفستاني.
من الطقوس التي اندثرت في العيد هي الذهاب إلى المصور، أتذكر مصور مدينتنا الذي كنا نتجه إليه لالتقاط صورة تذكارية للعيد، كان الحائط عنده واحد فيه خلفية منظر طبيعي والآخر فيه فرسان (خيل ابيض واسود) كنت انتقي خلفية المنظر الطبيعي واحمل بالونا عند التقاط الصورة.
بدون مبالغة ممتنة جدا أني كنت من هذا العصر، في يومنا هذا تلتقط العديد من الصور للصغار في مواضع عديدة لكنها تندثر قبل أن يكبروا، لأنه يتم حفظها في أجهزة رقمية بينما في طفولتنا رغم محدودية التكنولوجيا حظينا بأرشيف ورقي في ألبومات تصون أجمل أيام حياتنا.
كنت رغم صغر سني مولعة بالمسلسلات المكسيكية، التي كانت سائدة بقوة بداية الألفينات، آنذاك أنتظر ما المسلسل الذي تعرضه القنوات بعد رمضان، لازلت أذكر مسلسل بعنوان روزالندا كان احد مسلسلات ما بعد رمضان، تأثرت بالبطلة وبالوردة التي كانت تضعها خلف أذنها وكنت أقوم بتقليدها. كل عيد أذهب إلى بيت معلمتي، هذه الذكرى بالذات أيقظتها ابنتها التي أتت هذا العيد لزيارتي بصفتي أدرسها دروسا خصوصية. شعرت بسرعة الأيام و بغرابة الحياة وتبادل الأدوار.
الحلويات في طفولتنا كانت أقل فخامة في الشكل لكن بحق لعبت دورا في تقربب القلوب و تحقيق الألفة. عائلتي كانوا يحضرون في علب كرتون الحلويات لمعارفنا الغير مقربين نصيبهم من حلوى العيد، وأما للمقربين توزع الحلويات في صحون، إلا أننا في حاضرنا عادة تبادل الحلويات اخذت في التقلص. كنت أحب الفنان وائل كفوري، كان فارس أحلام فترة مراهقتي، كل عيد الفضائيات اللبنانية تعرض إحدى الحفلات التي أحياها في الصيف. فكان العيد مرادفه بالنسبة لي حفل لوائل كفوري.
هطول المطر جزء لا يتجزأ من روتين أعيادنا بحكم أنها كانت في تحل في مواسم الشتاء، كانت الفتيات تحملن هم المطر وسقوطه على شعرهن الذي قضين وقتا في تسريحه، حتى لو لم يكن هناك مطر فإننا لا نجازف بالخروج دون مظلة . السؤال المشهور عندما نعود للدراسة بعد عطلة العيد المتبادل بيننا كأطفال “شحال لمدتي /شحال لمدت”، ونحن في غاية النشوة بالمبلغ الذي جمعناه في العيد، بدون أن ننسى ذاك السؤال المشهور على السبورة “اكتب فقرة تتحدث فيها عن يوم العيد والأجواء التي قضيتها فيها” . سلاما مني وحنينا لتلك الأيام الطيبة!
رانيا برقاد