الأحلام بين الشعراء والفلاسفة: «على هذه الأرض ما يستحق الحياة»

مثل كل المغلوبين والمقهورين واللاَّمنتمين، يتغنَّى الشعراء والفلاسفة والكُتَّابُ بكثير من الأحلام التي كانت قد تبلورت لحظةَ تكوين ملكاتهم الإبداعية، ثم أُضمرت حينما اصطدمت بواقع اجتماعي بائس ومهترئ.

بقلم:عبد الوهاب حنك

كذلك الأنبياء، ومنهم يوسف عليه السلام، قال تعالى: «إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ، يَا أَبَتِ إِنّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ، قَالَ يَا بُنيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً، إَنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإنْسَانِ عَدوٌّ مُّبينٌ» يُوسُف 4/5.

وقد تحقق الأمر، عكس ما يحلُم به الشعراء والفلاسفة وغيرهم، ذلك أنَّ سلطة التحقيق ههنا ممثلة في مستويين مختلفين، سلطة الإله مع الأنبياء، والتي لا يمنعها مانع، وسلطة أرضية أخرى مع الشعراء والفلاسفة، وهي دائما المانع والكاظم الأول في وجه التحقيق، نؤكد بالقول: في سورة مريم عليها السلام، حَلمَ ( تمنَّى، رَجَا) زكريا عليه السلام، سَعْي ولد من صلبه، وقد حقق الله حلمَهُ، قال تعالى: «يَا زكَـــــــــــرِّياَ إِناَّ نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا» مريم 8.

إنَّا لا يمكننا أن نحكُم على حالة هؤلاء الشعراء، وأفقهم البعيد باللاَّممكن، ولا أن نبصم على حالاتهم النفسية بالتشاؤم والسوداوية، إننَّا بالعكس من ذلك تماما، يمكن أن نحكم على أصناف المجتمع الأخرى باللاَّفهم، ثم باللاَّإنسانية التي تتمتع بها السلطة الأرضية على مرِّ العصور، حضرنا ههنا نموذج أبي حيان التوحيدي في حرق كتبه، في آخر حياته بعد الاضطهاد الذي قوبل به من قبل كل الجبهات، وحتى من الكُتَّاب أنفسهم، الذين في نفس مستواه، ومن بينهم مسكويه.

لقد أنشأ فرويد مثلا مذهبا فريدا في معرفة واكتشاف الأحلام المكنونة داخل النفس الإنسانية لدى هؤلاء المبدعين من الشعراء، والفلاسفة، وغيرهم، ولقد اكتشف من خلاله أن دافينشي صاحب الموناليزا هو ابن غير شرعي لامرأة جارية، ثم أنه لم يحظ البتة بعلاقة غرامية، وهو الأمر الذي انعكس بإيجابية كبيرة في الوجوه المبتسمة الضاحكة داخل رسوماته.

الأحلامُ حسب فرويد قابعة في أعماق النفس البشرية، وهي فقط تبحث عن مثير معين، لتطفو على السطح، وتتجسد بكل إبداعية، لكن الذي كابدَهُكثير من الشعراء والكُتَّاب على مرِّ العصور، هو غياب هذا المثير دائما، وهو ما أوجبَ كثيرا من الرمزية في الشعر، ومثلُه من الغموض في كتابات الفلاسفة، ولعلَّ هذا حتما ما جعل الروائي الأرجنتيني إرنستو ساباتو يقول: عندما يحْلُم الإنسان يكون شاعرا فذًّا، لكن ما إن يصحوُ من الحلم حتى يعود مجرد مخلوق بسيط، لعلَّ التفسير المنطقي لهذا القول سيكون عكسيا، سيكون علينا القول ههنا أنَّ الشعراء والفلاسفة حَملَةُ أحلام دائمة، تسري فيهم بالإضافة إلى الملكة الإبداعية، ملكَةُ الإنسانية، التي لا ينبغي لها أبدا أن تتناقض مع كل ما يحملُ سمة الحلم، ذلك أن هذا الثالوثَ مقرَّرٌ له أن يجتمع ليشكل للشاعر، وللكاتب، وللفيلسوف، وللرّسَّام، المُثُل الخاص بهم، وعالم الأحلام أيضا، ولهذا حصل أن حضرت هذه الأحلام في ملحمة جلجماش، وإلياذة هوميروس، وعند الشاعر كافكا، وغيرهم.

نختم بهذه بأحد التمثيلات السينمائية للأحلام، من مقال: رسائل إلهية في الحلم، للكاتبة سلمى نبيل: إنه فيلم «بيتر إبيتسون»، وهو فيلم درامي خيالي، من إخراج هنري هاثاواي وبطولة جاري كوبر وآن هاردينج. الفيلم مأخوذ عن رواية تحمل الاسم نفسه للكاتب جورج دو مورييه عام 1891، يحكي الفيلم عن حكاية حب تتجاوز كل العقبات، ويدور الفيلم حول قصة شابين انفصلا في طفولتهما ثم يجمعهما القدر بعد سنوات. على الرغم من انفصالهما في الحياة الواقعية لأن بيتر أُدين ظلما بارتكاب جريمة قتل (كان ذلك في الواقع دفاعا عن النفس)، فإنهما يكتشفان أنه يمكن أن يحلم كلٌّ منهما بالآخر ويحضر في وعيه أثناء النوم، بهذه الطريقة يكونان معا.

 

2 التعليقات

أضف تعليقاً