الفكاهي أحمد قادري “قريقش” لمجلة أحلامي:

“هُمَشت ولا أدري لماذا؟”

 ذكرالفنان الجزائري أحمد قادري المعروف فنيا باسم قريقش، والذي يعتبر من أبرز نجوم الكوميديا الجزائرية، أنه على أهبة الاستعداد لتقديم مختلف الأدوار وليس الكوميدية فقط رغم تقدمه في السن، سواء التي اشتهر بها في المسرح أو التليفزيون أو السينما، مشيرا إلى أنه كتب 66 سكاتشا ومسرحية، لا تزال حبيسة الأدراج، و ينتظر الإفراج عنها، كما أشار إلى أنه يعيش وضعية اجتماعية مزرية بعدما طاله التهميش لسنين.

حاورته: أحلام بن علال

هو من أحد أعمدة الفن المسرحي، الذي ساهم بإنارة الركح المسرحي بأعمال ثرية ومميّزة، كثيرا ما كانت مصدر بسمة ومحبة لعامة الناس، لاسيما فئة الأطفال الذين كثيرا ما استفادوا من نصوص مواضيعه المعالجة بأسلوب فكاهي هادف، ومواعظ ودروس تربوية وثقافية. فمن منا لا يتذكر شخصية “قريقش” التي حققت شعبية واسعة لدى الجمهور الجزائري. الفنان أحمد قادري جمعنا معه هذا الحوار، الذي تناول العديد من أوجه نشاطه المتنوّع في المسرح والتلفزيون، تمثيلا وتأليفا، وكذلك أمنياته في الفن والحياة وخيباته:

“تعلمت على يد أساتذة كبار وكوّنت فرقة تخرّج منها الكبار”

يوم 07 فيفري 1957 كانت انطلاقتي الفنية، بأول عمل لي لمحي الدين بشطرزي، وبعد ذهاب محي الدين بشطرزي من المعهد، خلفه جلول باش جراح، وبعد وفاته جاء مكانه محمد التوري رحمه الله الذي لم يدرسنا كثيرا لمعاناته مع المرض، فخلفه مصطفى قصدلي وفي نفس الوقت كنت أذهب عند علال محب، فتعلمت على يد هؤلاء الأساتذة، وأخذت أشياء مهمة لدى كل واحد منهم.

“القامة جلول باش جراح هو من اكتشف موهبتي في الفكاهة”

من اكتشف موهبتي في الفكاهة كان جلول باش جراح رحمه الله، ففي سنة 1958 تعلمت منه طريقة كتابة الحكايات و”السكاتشات”، هناك أسست فرقة في باب الجديد تسمى “نجمة الصباح” الموسيقية التمثيلية في نفس الوقت، الموسيقى كانت تحت إشراف ميتور السعيد رحمه الله، وبعدها دخل إلى التلفزيون، فتحملت بعده إدارة كل شيء من موسيقى إلى تمثيل وكل شيء، وتخرج الكثيرون من عندي أمثال: عبد القادر شاعو، شريف قرطبي، عبد الله كريو، بابو، يوسف السعدي ..وغيرهم، وبعدها توقفت الفرقة لأن عملي مع التلفزيون أخذ كل وقتي.

 

عندما كنا في المعهد البلدي درست معي نورة رحمها الله زوجة كمال حمادي، وحينها كنت أعمل في الإدارة بولاية الجزائر في فرع جوازات السفر، أرادت مع زوجها عمل جوازات سفر، فعملت لهما، فعاد زوجها مرة أخرى وطلب مني أن أعمل له سكاتش، حضرته بنفسي،  وقال أنه هو من سيقوم باختيار من سيمثل معي، بدل فرقتي التي برأيه كانت فرقة هواة وليسوا محترفين، كما أن قاعة ابن خلدون التي كان سيقدم فيها العرض كانت فيها رهبة كبيرة لأنها على المباشر مع التلفزيون والإذاعة، مما يتطلب خبرة للوقوف على خشبتها، وكان له الحق في ذلك، فأحضرت واحدا فقط من فرقتي الذي مثل دور البدوي “جعفر ولد الحراشي”، وأحضر من جهته حميد لورالي الذي قام بدور” قاسي تيزي وزو”، رزقي بدور “موح باب لواد” وجمال عبد اللطيف الذي لعب دور المصري، وأنيسة ميزاقير بدور المصرية وأنا بالدور الرئيس قريقش، من هناك انطلقنا وأصبحنا نعمل في كل مكان.

 “لهذا سميت نفسي بقريقش”

أنا من سميت نفسي بقريقش، كنت أبحث عن اسم لما سمعت بأن رويشد عنده لقب جميل، شارلو. سرعان ما جاءتني الفكرة من كلمة “قرقشة” ذلك أنه عندما ييبس التين “يقرقش”، النقود لما تكون جديدة” تقرقش”، فسميت في سكاتش المطعم كل العائلة بالقراقيش، أبي بقرقوش، أمي قرقوشة ..إلخ.

 كم بلغ عدد أعمالك؟

بلغ عدد أعمالي حوالي 50 عملا تلفزيونيا، و100 نص للإذاعة وعندي حوالي 66 عملا مكتوبا للإذاعة. لكن بما أن الإذاعة لم تعد تنتج كما في الماضي، تركت في طي النسيان، لكن الأمل دائما يبقى موجودا.

جمعتني أعمال كثيرة مع كبار المخرجين من بينها سكاتش “الميت الحي” الذي عرض في غرونوبل على الثالثة صباحا  يوم 17 نوفمبر سنة 1966، لما وصلت إلى الجزائر كتبت الحوار للجزء الثاني “قريقش لو فري مور”، وعملت في عدة أفلام، مع المخرج أحمد راشدي، فيلم “الشبكة” مع المخرج عمر بن ددوش، “سنعود” مع سليم رياض، “حسان طيرو” مع رويشد…

تكريم الفنان بعد وفاته لا معنى له”

التكريم للفنان بعد مماته لا يضيف له شيئا لأن التكريم يكون في الحياة، سواء ماديا أو معنويا، وعلى ذكر ذلك توجد إحدى المؤسسات إتصلوا بنا كفنانين في 08 جوان للاحتفال بيوم الفنان فكرمونا بخمس ورود، مع العنقيس وغيرهم من الفنانين الكبار، لست طماعا، لكني اعتبرها إهانة للفنان، فلما عدت إلى المنزل أهديتها لزوجتي وقلت لها اليوم عيدك وليس عيدي.. لا زالت لدي طاقة كبيرة للعمل، عندي عروض كثيرة للكبار والصغار، أتمنى أن أعمل، أنا حاضر، لن أطلب غير حقي، وأحلم أن تتحسن وضعية الثقافة في الجزائر.                                      

“تزوجت زوجة أخي الشهيد لأحافظ على أولاده”

أنا من مواليد القصبة لكن أصلي الحقيقي ومسقط رأس أبي و أعمامي مدينة تيزي وزو، مؤخرا كرمت في تيزي وزو وكان تكريما رائعا أين أخذت معي زوجتي، وأشكر كل من ساهم في هذا التكريم لأنه أفرحني كثيرا، كما أنني أب لـ 6 أولاد منهم 2 أبناء أخي رحمه الله الذي مات شهيدا، كلهم متزوجون وتوفي ولد من أولادي وترك لي 3 أطفال وزوجته، ولا زالوا يسكنون معي في “ميسونيي”، ولم تشأ الأقدار ويستقروا في بيت بمفردهم رغم محاولاتي الكثيرة، فنحن نعيش الضيق ونعاني ظروف اجتماعية مزرية، زواجي الثاني كان يوم 22 جانفي 1992، والأولى ماتت بعد صراع مع مرض السرطان يوم  17 سبتمبر 1990 وتركت لي 4 أولاد من صلبي و2 أبناء أخي، أما الثانية فلم أرزق معها بأطفال.

أخي الشهيد لما كان على فراش الموت والدموع بعينيه، وابنه الصغير “المتوفي الآن” على صدره، أوصاني بزوجته وأولاده، 26 سنة زواج جمعتني بزوجة أخي بعد وفاته، 16 شهر بعد وفاة زوجتي الأولى قررت الزواج لأنني أحسست بنفسي ضائعا نوعا ما، فتزوجت والحمد لله لا ينقصني مع زوجتي شيء .

ولدت يوم 18 ديسمبر1934 بحي “زوج عيون” بالقصبة، وبدأت أكبر تدريجيا، ولما أصبح عمري 6 سنوات أصبحت أبيع ” السجائر” لكي أعين أسرتي، ولم انجح في دراستي لأنني كنت كلما أدخل إلى المنزل ارمي محفظتي وأخرج لأبيع التبغ في زمن الحرب العالمية الثانية، كماعملت في التجارة، وبعدها دخلت لأدرس في حصص إضافية للكبار وتحصلت على شهادة دراسة في اللغة الفرنسية سنة 1969، التي تعادل شهادة البكالوريا الآن.

توفي والدي في 26 أفريل سنة 1956  بعد مرضه، وتلقيت خبر وفاته في عملي أين  كنت اعمل قهواجي في باب الواد، ووالدتي توفيت بعده، أربعة أيام مع الرئيس الراحل بومدين، عندي إخوتي شهداء، وتجمعني مع الباقي علاقات جيدة.

“ألفت سبعة كتب في كل كتاب 100 نكتة”

في رمضان أختم القرآن الكريم ثلاث مرات في الشهر، إلا إذا كانت عندي أعمال أختمه مرتين، كنت أبيع الكتب المتعلقة بالنكت لأنني ألفت 7 كتب بعنوان “إضحك مع قريقش “كل واحد يحمل 100 نكتة بسعر معقول، شاركني فيهم عبد الحكيم لكحل الذي كان يتكفل بالطباعة، كنت أبيعها في سيدي فرج  على الميناء لكن الجلوس لفترات طويلة على الكرسي كان يؤلمني كثيرا في قدمي، بقي لي القليل.

من بينها باللغة الدارجة: قريقش في أحد الأيام قالت له زوجته : “الجيران كامل عندهم بارابول وديمو واحنا ماعندناش”، أجابها “يا امرأة أصبري علي كاش منخدم نشريلك” فردت عليه”لالا راهم يضحكو عليّ النساء راهم كامل يشوفو فريحة وواد الذئاب.. نروح لدارنا منوليش حتى تشريلي بارابول ”

قريقش أخيرا إشترى بارابول وديمو بعد أن باع التلفاز.

وأخرى: “تزوج رجل ورزق بولد ولم يعرف كيف يسميه، قال لزوجته سأخرج إلى الشارع وأي اسم أسمعه سأسمي به ولدي، فلما خرج سمع أحدهم ينادي”يا محمد” فسماه محمد، العام الثاني رزق بولد آخر ولما خرج إلى الشارع سمع اسم هراوة فسماه بذلك، وأخيرا رزق ببنت وعمل نفس الشيء خرج للشارع وسمع اسم طريحة فسماها بذلك الاسم، 20 سنة بعدها جاء ناس يخطبوه في ابنته “طريحة”، فنادى لابنه “محمد أرواح وجيب معاك هراوة، الجماعة حبوا يأخذوا طريحة” فانسحب الجميع.

“لماذا لا تكون لنا قنوات مخصصة للأعمال القديمة ؟”  

الرياضة المفضلة لي هي الكاراتي لأنني مارستها ووصلت حتى إلى الحزام البني، وألفت قريقش كراتي وبعدها قريقش جيدوكا، تمنيت أن أحصل على نسخ من أعمالي القديمة لكن للأسف لا آذان صاغية بل لا حياة لمن تنادي.. لماذا لا تكون لنا قنوات تعرض الأعمال القديمة كالقنوات المصرية..صحيح أنها قديمة لكنها قيّمة ومفيدة ولها رسائل اجتماعية كثيرة ولو بطريقة فكاهية .

“أنا لم أغب بل غيّبت”

أنا لم أغب، ولا يوجد أي فنان يغيب بعد قضائه سنوات عمره في التمثيل، بل يغيّب، وأنا غيّبت، ولا أدري لماذا؟ ولمصلحة من؟ لا أدري ماذا جنوا من غيابي ومن غياب كثيرين غيري؟ لا أدري حقا لماذا؟
في الأساس، يصرون على تغييب وجوه لها بصماتها على الساحة الفنية الجزائرية خاصة القديمة  منها، لا أدري هل هذا مقصود؟ صحيح أن الجمهور استغرب من غيابي، وسأقول لهم أن الأمر يعود إلى المنتجين والمخرجين الذين غيّبوا وجوها أحبها الناس وتعلقوا بها طيلة سنوات، هذا الواقع جعلني أعزف عن الكتابة، نعم توقفت عن الكتابة منذ فترة.

“هذا ما جمعني بقاسي تيزي وزو”

تعرّفت على المرحوم قاسي تيزي وزو رحمة الله عليه، في الستينيات من القرن الماضي عن طريق الفنان كمال حمادي الذي قدّمه لي رفقة الممثل أرزقي نابتي، المعروف باسم موح باب الواد، للمشاركة في إحدى مسرحياتي في فرقة نجمة الصباح التي أسستها سنة وقضيت مع قاسي تيزي وزو مدة 16 سنة، كانت كلها مرحا وابتساما ولم نختلف يوما، وبعدها واصل التمثيل مع المرحوم بوبقرة أو حسن الحسني.

لما كرمته إدارة مسرح كاتب ياسين بتيزي وزو، يوم 27 أفريل 2013 تأسفت لعدم حضوري بسبب سوء حالتي الصحية ، كنت يومها مريضا ولم أقو على السفر، لكنني حضرت رفقة ابنته وشقيقته في حفل تكريمه بعد وفاته، بمسقط رأسه في بني ورتيلان بولاية سطيف، كان نعم الصديق والأخ والزميل.

أحلامك؟

واليوم أعاني من النسيان و تجاهل المسؤولين  لطلبي الخاص بالسكن، وسلبوا حقي في الحصول عليه رغم أنني أودعت عدة طلبات، أعيش حاليا رفقة عائلتي الكبيرة وعائلة ابني الذي اغتالته أيادي الإرهاب في سكن ضيق، وأحلامي أن أستفيد من سكن مثل أي مواطن، حتى لا أتشرد في الطرقات والفنادق رفقة زوجتي. الحمد لله لدي منحة التقاعد، ولكن لا يمكنني شراء منزل لأن إمكانياتي محدودة. أتمنى أن تجد صرختي هذه آذانا صاغية قبل أن أغيب عن هذه الحياة.

الفنان المتميز أحمد قادري المعروف بقريقش، الذي تداول على العديد من النشاطات المهنية والتجارية قبل يعتنق ولأول مرة المجال الفني عام 1957  بالتحاقه  بالمعهد، أين تمدرس على يد فنانين كبار  على غرار محي الدين بشطارزي، جلول باش جراح، مصطفى قزدالي، علال المحب و محمد توري. كما كان مدير الفرقة السمريحة “نجمة الصباح”  قبل ان يقتحم عالم الكتابة أين كانت لمسته بادية في عدة مواضيع وسكاتشات ونصوص مسرحية وسيناريوهات، وكانت له عدة أعمال تلفزيونية وإذاعية ومسرحية موجهة لفئة الأطفال،  والذي دخل كل بيت جزائري بأدائه الفاخر الأصيل وأدواره المدهشة فشكل حاله من الفرح والاندماج وسط الشباب قبل الكبار، ويكفي أنه شديد الأدب والاحترام يميل للصمت في العادة ولا يكثر من الحديث، ولكنه ينطق الجميل والمفيد بأدائه الذهبي المتألق، وسيبقى من أهم أرقام في معادلة الكوميديا الجزائرية وقت الزمن الجميل، وعلى رأس قائمة أهم الممثلين البارزين الذين مثلوا الفن الجزائري الأصيل، يتميز بالقوة يعتمد عليه وتجده في الواجهة عندما يتعلق الأمر بجني ثمار أي عمل شاق ومتعب، يحب الأشياء الجميلة والجذابة ويحاول أن يستوحي منها، تتحرك أحاسيسه وتتأثر، اعتداله ورزانته تجعله شخصا موثوقا ويمكن الاعتماد عليه، البعض يراه مشاكسا ولكنه وبعد حواري معه وجدته في الواقع صارما، لا يترك أي عمل تحت مسؤوليته إلا وقد أتمه بشكل كامل وبالمعايير الأمثل كما أنه مبتكر للغاية ويتمتع بالقيام بأموره بنفسه، وفقه الله لما يريد.

 

أضف تعليقاً