الروائي محمد النعمة بيروك ل:
الروائي محمد النعمة بيروك لـ:” أحلامي”

 

محمد النعمة بيروك شاعر وقاص وروائي خريج إداري من مدينة فاس، حاصل على الإجازة في الأدب العربي من كلية الآداب جامعة ابن زهر بأغادير، ودبلوم الدراسات العليا من معهد البحوث والدراسات العربية التابع للجامعة العربية بالقاهرة، عضو الاتحاد العالمي للفكر والإبداع، عضو رابطة شعراء المغرب، وعضو رابطة أدباء الجنوب، إصداراته: ديوان “تراتيل الطّلح” عن دار القلم بالرباط سنة 2015، ديوان “أجمل من الصّبر” عن مطبعة “أغادير سيرفيس” بأغادير 2017، رواية “كولومينا” عن مطبعة RVB Editions  بالرباط 2017، “النيل لا يضحك كثيرا عمل من أدب الرحلة تحت الطبع.

حاز على عدة جوائز من بينها جائزة “مؤسسة عبد القادر الحسيني الثقافية” للرواية لسنة 2014 بالقاهرة بمصر عن روايته “كولومينا”، جائزة أحمد بوزفور للقصة القصيرة عن قصته القصيرة “الرواية” سنة 2015 ببلقصيري، جائزة الروداني بتارودانت عن قصته القصيرة “المشط” لسنة 2016، جائزة “الموكار” بالطنطان عن ديوانه “تراتيل الطّلح” سنة 2017، وجائزة الرابطة المحمدية للعلماء في الشعر عن سنة 2018.

 

 النعمة بيروك لتكن بداية حديثنا عن رواية “كولومينا”، في أي الأجواء كتبتها؟

دعيني أوّلا أحييكِ وأحيي مجلة “أحلامي” وقراءها الكرام، شاكرا لكم هذه الاستضافة الكريمة.

بالنسبة لرواية “كولومينا” فهي نتاج تجربة سردية بدأت في مرحلة عمرية لاحقة عن كتابة الشعر، عندما بلغت المرحلة الثانوية والجامعية، حيث تعرّفت عن كثب على الأجناس الأدبية القصيرة التي دخلت منها إلى الرواية، وبعد مراكمة قراءة روايات عديدة، تبلورت لديّ فكرة كتابة “كولومينا” التي تتحدّث عن حي بمدينة العيون، هو في الأصل مستوطنة إسبانية دخلها السكان الصحراويون عندما أخلاها المستوطنون الإسبان، فانتقل السكان الأصليون فجأة من مساكنهم التقليدية إلى بيوت بمعايير غربية عصرية، من هنا تبدأ المفارقة، وتنطلق الأحداث.

  • فزتَ بالرتبة الأولى لـ”جائزة أحمد بوزفور العربية للقصة القصيرة”، وذلك عن نص بعنوان “الرواية”، حدّثنا أكثر عن هذا النص، وماذا يعني لك؟

كنتُ أقرأ إحدى الروايات حين تمنّيتُ فجأة وأنا في خضمّ القراءة أن تتغيّر الأحداث، بل تمنّيتُ لو أستطيع فعل ذلك بنفسي، من هنا خطر ببالي أن أكتب قصة قصيرة يستطيع فيها القارئ أن يغيّر الأحداث، أو أن يحاول على الأقل، طبعا الفكرة غير واقعية، لكنني رأيتها تستحقّ أن تُبلوَر نصا قصصيا، فبدأتُ إعمال الخيال في كتابة النص الذي يتحدّث عن قارئ يقرّر تغيير مجرى الأحداث في رواية تتحدّث عن النكبة الفلسطينية من خلال حلوله في الرواية، فيما يشبه “الخيال العلمي”، وقد حاز النص على الرتبة الأولى في جائزة بوزفور العربية كما أشرتم، وهذا الفوز أعطاني دفعة جديدة للكتابة، ورصيدا إضافيا لمجموعة جوائز تحصّلتُ عليها قبل ذلك.

  • أشرتَ في إحدى قراءاتك إلى نقطة تراها في غاية الأهمية وقلت إنه يدركها القاصون والنقاد والمهتمون بأدب القصة القصيرة، لكنها قد تخفى على غيرهم، وهي خطأ الخلط بين بطل القصة القصيرة والقاص، وضح للقارئ أكثر؟

هذا صحيح، والحقيقة أن هذا الخلط لا يقع في القصة القصيرة فحسب، بل في كل الأجناس الأدبية تقريبا، لذلك تجدين التنويه إلى “خيالية” الرواية في مقدّمة معظم الروايات، وهناك من يخلط بين الشاعر والقصيدة وغير ذلك، وقد لمستُ هذا الأمر في مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تجدين من يعزّي الكاتب في موت أمّ البطل مثلا، أو من يتّهمه بفعل مشين قام به بطل القصة أو بطلتها، خصوصا حين يكون النص بلسان المتكلم، وللأسف نلمس هذا أحيانا حتى في بعض المواقع الأدبية، كما لمسته شخصيا في بعض القراء الذي التقيهم بشكل مباشر.

وللأسف حدّ هذا الأمر من جرأة بعض الكتاب، وحصر البعض الآخر في تيمات معيّنة ومحدّدة، بل جعل البعض يكفّ عن الكتابة، خصوصا في مجتمع محافظ كالصحراء.

  • في رأيك، إلى أي حد ينحاز الكاتب إلى الواقع؟ وما اللحظة التي يشعر فيها أنه على وشك الانفجار الداخلي، والتمرّد على الواقع، بإطلاق العنان لخياله الروائي –وبالتالي- إعادة إنتاج العالم من جديد؟

قلتُ منذ قليل في سياق حديثنا عن نصي  القصير المعنون بـ”الرواية” إنّ القارئ في النص عمل على تغيير الأحداث لصالح قضيته القومية، والحقيقة أن الكاتب هو من حاول ذلك، أعتقد أن الإبداع في العالم العربي عموما، هو محاولة لتغيير الواقع بنوع من التمرّد الافتراضي الذي يخدم مكبوتات القارئ، ومن خلفه الكاتب أيضا، فعلى الورق يجد الكاتب والقارئ نفسيْهما معا بالصورة التي يريانها، أو ما ينبغي أن يريانه، وقد يحبّ القارئ الرواية لأنّها تعبّر عنه، وربّما لأنها تفضحه بشكل أو بآخر، كما قد تحدث الانتصارات في زمن الهزائم العربية، وحتى إن لم تحدث يبقى الكاتب والبطل والقارئ على حد سواء معلّقين بأمل انفراج قد يأتي وقد لا يأتي في النص الأدبي، إنه نوع من إنتاج العالم من جديد كما ذكرتِ، وليس هذا فحسب، بل إنه نوع من استشراف مستقبله أيضا. وإن كان هذا في الحقيقة  يصطدم في العالم العربي بانخفاض الإقبال على الكتاب، بل انخفاض التأليف أصلا.

  • يلجأ بعض الأدباء إلى الكتابة حتى يتخلّصوا من آلامهم، أو ليبوحوا بأحزانهم، ترى لماذا يكتب محمد النعمة بيروك؟

يكتب الكاتب الهادئ الكتوم اجتماعيا كنوع من الفضفضة والتنفيس، ويكتب الكاتب الثرثار لنفس السبب تقريبا، أعتقد أنني أنتمي للصنف الثاني، حيث أحبّ أن أحكي ما يجول بخاطري، ففي إحدى رحلاتي إلى جمهورية مصر العربية مثلا، رأيتُ الكثير من المشاهد التي أحبّ أن أحكيها للناس، حيث كنتُ أسعد بوصف ما رأيتُ لمن يسألني عن حال الرحلة، إلى أن قرّرت أن أجمع كل مشاهداتي في كتاب من “أدب الرحلة” عنوته بـ”النّيل لا يضحك كثيرا”، هذا الأمر ينطبق على نصوصي القصصية ورواياتي التي أحبّ أن أضمّنها معلومات وأخبارا وحكايا ومشاهدات وانشغالات ومشاغل مبلورة في نصوص أدبية.

  • رواياتك وقصصك القصيرة مستمدّة من أين؟ وما الذي تتميّز به؟

من واقعي الاجتماعي الصغير، فالكاتب جاسوس شرعي على أحوال الناس، يكشفهم دون اعتراض من أحد، كما أستمدّها من واقعي العربي الأوسع، والحقيقة أني أستمدّ من الأول ما يثيرني من إكراهات في واقع الصحراء في عصر التمدّن، ومن الثاني عذاباتنا القومية وما يشهده العالم العربي من آلام، وأزعم أن البعد الإنساني يطغى على السمة العامة في ما أكتب.

أما السؤال عمّا تتميّز به كتاباتي فأترك الجواب عليه للقارئ، سواء القارئ الناقد أو القارئ البسيط، وإذا كنتُ اطّلع على رأي هذا الأخير من خلال مواقع التواصل والمنتديات الأدبية، فإني أطلع على رأي الناقد من خلال عدة قراءات في نصوصي لأدبية الطويلة والقصيرة لنقاد من قبيل الغلى بوزيد، ومحمد لمين بنّة، وعبد الرحمان الخرشي، وعبد العزيز ساهير، عبد الواحد بروك، وأحمد بطاح، وعلي بوخار، وغيرهم لا أريد أن أنسى أحدا، كما أطلع على آراء المبدعين من قبيل القاص الجزائري المبدع جمال بوثلجة، والأديبة الأردنية ربيحة الرفاعي ومحمد أحمد الومان وغيرهم، مع حفظ الألقاب للجميع.

  • إلى أي مدى تختلف تقنيات كتابة الرواية عن القصة، ولاسيّما أنك كتبت هذين النوعين الأدبيين؟

طبعا تختلف تقنيات الكتابة بين الجنسين الأدبيين، لكنني لن أخفيكِ سرا إذا قلتُ إن الكاتب أحيانا يأخذ القلم ويكتب دون وعي حقيقي بالنوع الأدبي الذي يكتب فيه، فقد يجد نفسه منسابا مع الكتابة لدرجة رواية، وقد يقف عند قصة قصيرة مثلا، طبعا يتأتّى كلا الجنسين بالعودة للنص باستمرار إذا تدفّقت الأفكار التي يرى الكاتب أنها تصلح كعمل روائي مثلا، وقد تستغرق وقتا طويلا، كما قد تبقى معلّقة كمسودّة إلى أجل غير مسمّى.

طبعا تختلف الرواية عن القصة القصيرة بعناصر لا تخطئها العين، من أهمّها تعدد شخوصها وأزمنتها وأمكنتها وزوايا الحكي فيها، كما تتفرّع تيماتها وما تطرحه من قضايا، بينما تحرص القصة على وحدة الشخوص والزمكان والحدث ووحدة الزاوية التي نرى من خلالها كل شيء.

  • الآن بعد أن كتبت الرواية بجانب القصة ألا تفكّر في الانفتاح على أجناس أدبية أخرى، وطرق أبواب تعبير مغايرة؟

طبعا كتبتُ الشعر قبل ولوج عالم السّرد، وأتوفّر حتى الآن على ديوانيْن هما “تراتيل الطّلح” سنة 2015، و”أجمل من الصّبر” سنة 2017، كما كتبتُ في “أدب الرحلات” كما أسلفت.

  • كل مبدع له أجواؤه الخاصة للإبداع، فما هي الأجواء التي يحتاجها الأستاذ محمد النعمة بيروك من أجل أن ينقل إبداعه إلى الورق؟

ربما ستستغربين إذا قلتُ لكِ إن أفضل الأجواء من حيث الهدوء والسكينة لا يوفّر فرصة للإبداع بالضرورة، على الأقل في هطوله الأول وفكرته الأساس، ولا حتى الشواطىء الهادئة والأمكنة الرومانسية، فحضور الإبداع حالة غير مفهومة، وتقريبا غير مقترنة بشرط، بل إنها قد تحضر في أجواء لا يفضّلها الكاتب أحيانا، إذ يمكن أن تخطر بباله فكرة ما في مقهى من خلال سماع أو رؤية، كما يمكن أن يكتب في القطار أو الحافلة، لكن قد تصادف تلك الحالة مكانا هادئا في منتصف الليل بعد نوم الأبناء مثلا، هنا يمكن للمرء أن يستغلّ تلك الحالة ويسترسل في الكتابة، كما يمكن أن يدوّن الأفكار وربما المتن في أي مكان آخر، بالنسبة لي أتلقّف الأفكار وأكتبها في أوراق ترافقني حيث ما حللت وارتحلت، وقد أسجّلها في الهاتف المحمول، ثم أعود إليها لاحقا من أجل التنسيق والترتيب والرّبط.

  • ما هو الأقرب من خلال تجربتك السردية الثمينة، القصة القصيرة التي تختزل كل شيء في سطور قليلة، أم الرواية، ذلك العالم الذي لا حدود له؟

كلاهما له متعته وطقوسه، الرواية ذات نفس طويل، قد تدوم كتابتها شهورا وربما سنوات، وتستلزم الكثير من التركيز والمراجعة والثقافة العامة، ويمكن التوقّف عن كتابتها إلى حين العودة لها من جديد، وهي متشعبة يصعب السيطرة عليها بسهولة، متداخلة في أحداثها ونفسيات شخوصها، وأزمنتها وأمكنتها، ومع هذا كله فهي ممتعة، أيضا للقصة القصيرة حلاوتها، لكنها إبداع وليد اللحظة، وليد فكرة خطرت ببال الكاتب من كلمة سمعها أو مشهد رآه أو حتى من حلم، إنها موقف ما تمت بلورته كتابة، لذلك تستلزم الحنكة والمهارة في اقتناص اللحظة، وتعتمد حبكة بسيطة، وتنتهي في الغالب بمفارقة.

شخصيا أجد نفسي في الرواية أكثر حين تتقمّصني وأتقمّصها، حين ترافقني حيثما حللت وارتحلت، حين أعود للبيت سعيدا لأني أحمل أفكارا جديدة سواء في تطوير الأحداث أو وجود حلول لقضايا اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية في الرواية، حتى الانقطاعات عن الكتابة الروائية هي نوع من الاستراحة التي تبقي الكاتب في حالة نشوة لمجرد التفكير في الرجوع إليها، فهي تعطي كل الوقت للكاتب، أقصد أنها غير مقترنة بأجل، كما تمنحه سلطة أدبية للإبداع في متنفس وفسحة كبيرين.

  • بعد هذه الرحلة، إلى أين تتجه كتاباتك؟ وماذا تعني لك الكتابة اليوم بعد تفرّغك لها تقريبا؟

الكتابة هي المتنفّس الذي يشعر معه الكاتب أنه قال ما عنده، لذلك فهي مهمة لمن يحبّ أن يطّلع الناس على ما لديه، وقد جدتُ نفسي بالسّرد عموما سواء كان قصة أو رواية لما يمنحه من فسحة غير مرتبطة بقوانين شكلية ضيقة كما هو الحال مع الشعر، فالكاتب لا يختلف كثيرا عن الرسام والمصوّر، إنه المرآة التي تعكس أتراح الناس وأفراحهم وقضاياهم الحيّة، من هنا تأتي أهمية الكتابة. أفكّر في كتابة رواية اختمرت فكرتها بالفعل في ذهني، رواية طويلة من عدة أجزاء تتناول جوانب مهمّة من قضايانا كعرب، عبر طرح أدبي أزعم أنّ فيه جدّة من حيث الشكل.

  • العالم أصبح قرية صغيرة، هكذا يقولون، بسبب الثورة التكنولوجية التي نعيشها، فأين مكان السرد في هذه القرية الصغيرة؟

للسرد مكانته اليوم رغم العزوف عن الكتاب عموما، لكنه أفضل حالا من حيث الشعبية بين الناس من الشعر، فالرواية مثلا في العالم العربي أكثر مبيعا من الديوان الشعري، غير أن السرد في الغرب مثلا أكثر انتعاشا من نظيره العربي نظرا لقيمة الكتاب هناك، بل أن الكتابات الروائية تساهم في إنعاش مجالات أخرى كالفن مثلا، والسينما تحديدا، حيث تتحول الأعمال الروائية إلى أفلام في حالات كثيرة. وقد ساهمت “القرية الصغيرة” في وصول الكتاب العربي إلى العالمية، خصوصا في تجلّيه الروائي، كما ساهمت الترجمة في عبور الروايات بين الشعوب المختلفة، ووفّر الانترنت الفرصة المواتية للانتشار.

  • طوال هذه المسيرة الأدبية الرائعة والمتميزة، هل ما يزال هناك حلم أدبي لم ير النور حتى هذه اللحظة لدى الأستاذ محمد النعمة؟

ليس حلما واحدا، بل أحلاما كثيرة، إذ لا يجب أن يشعر المبدع أنه وصل وإلا كفّ عن الكتابة، والأجمل دائما هو الذي لم يأتِ بعد.

كما قلتُ لكِ قبل قليل، أفكّر في عمل روائي ضخم، بفكرة جديدة، فرغم أن كل أعمالي الأدبية حصلت على جوائز عربية ومحلية فإنني أسعى دائما لأطوّر نفسي عبر القراءة والكتابة على حد سواء.

  • أخيرا، ما عملك الأدبي المقبل؟

قلتُ منذ قليل إنني أفكّر في عمل روائي ضخم، غير أني أعمل في هذه الآونة على تنقيح روايتي “الجاثوم” التي أدّخرها للمشاركة في إحدى الجوائز العربية أو العالمية قريبا.

حاورته أحلام بن علال

أضف تعليقاً