عايدة يحياوي زوجة الملحن والموسيقار الكبير محمد كشود، ممثلة ومغنية كورال صورة أصيلة وجميلة وصوت مؤثر في عالم الأغنية الجزائرية، وخاصة الطفولية، وممثلة من الزمن الجميل كما يصفها جمهورها، فنانة ملتزمة بما تقدم تخاطب الناس بثقة وتواضع كبير،يطغى التواضع والاتزان على شخصيتها، ويسيطر الصدق والحكمة على حديثها.. تحب الحياة وتعيشها بسعادة وشغف، فلا تحدها الشهرة، ولا تمنعها الأضواء من أن تكون أما حنونة، وامرأة ناضجة و إنسانة شغوفة محبة لغيرها.

حاورتها: أحلام بن علال

حاورنا في هذا العدد الممثلة القديرة عايدة كشود.وفيمايلي تفاصيل الحوار.

بداية حديثنا تناولت مع الفنانة عايدة كشود تفاصيل عن حياتها العائلية، لتقول:

أهلا وسهلا بكم، اسمي عايدة يحياوي زوجة محمد كشود، أنا من مواليد 1953 من أب بربري وأم عاصمية من الجزائر العاصمة، موهبتي فطرية، بداياتي الفنية كانت منذ صغري كانت لدي موهبة الغناء، واعتبره غذاء،  تزوجت سنة 1972بعد الانتهاء من تصور فيلم الحريق بعد عقد قران دام عاما كاملا، لكن ارتباطي لم يمنعني من مواصلة طريق الفن الذي أحببته واخترته و وجدت نفسي أحمل مسؤولية عائلة وزوج وأنجبت طفلين بنت وولد “عقيلة ومراد “وأنا الآن جدة لأربعة أحفاد، الفن كان بداخلي لكن ربما الشكر الأكبر لأولادي، لأنهم لم يبعدوني عنه، لأنني أعتبر الفن سواء الغناء أو التمثيل علاقة الروح بالجسد، اشعر أنني استنشقه كالهواء تماماً، ودائماً يسري في دمي، لأنه نابع من إحساس داخلي وعواطف.

توفي والدي الشهيد وترك لأمي عشرة أطفال، كنت أنا آخر العنقود عمري حينها 8 سنوات فوقعت كل المسؤولية على عاتق والدتي السيدة العظيمة والواعية التي مدتنا أنا وإخوتي بكل العطاء المتدفق، شمرت على ساعديها وعملت لتقينا شرالمعيشة، كانت الصدر الحنون الذي أحن إليه كلما أحسست بالضيق، ولا زلت أحن إليه بعد وفاتها وأتمنى أن أرى عينيها اللتان كانتا تحملان بريق من الأمل رغم الأحزان العميق بداخلهما، توفيت لما أدركها الكبر، أشتاق إليها و أحن إلى صوتها الدافئ وأطلب لها كل الرحمة والمغفرة.

اتجهت أختي فاطمة الزهراء يحياوي المدعوة “راضية ” آنذاك إلى الغناء في وقت فضيلة الدزيرية، لكن والدتي منعتها من مواصلة مشوارها خوفا عليها، لأنها كانت فائقة الجمال، كما كان هناك تحفظ على هذا الفن في ذلك الوقت.

كيف كانت بداياتك الفنية؟

بدأ مشواري الفني سنة  1969 لما سجلت في مسابقة للغناء في المجموعة الصوتية الوطنية التابعة للتلفزيون والإذاعة الجزائرية في قاعة ابن خلدون، تحت إشراف المرحوم الحاج الشاعر حشلاف وحداد الجيلالي أستاذ كبير في الموسيقى إذ صنع وسقل العديد من المواهب التي وصلت إلى أعلى المراتب كسلوى، وهو من لحن أغنية “فرحة وزهوة للبالي” ، كان فنان كبير، والفنان المصري مرسلي جميل الذي اختبر قدراتي عبر امتحان الأحبال الصوتية والذي تفوقت فيه بجدارة بتأديتي لأغنية تونسية كنت أحبها كثيرا لما كانت مودة كبيرة بين تونس والجزائر، أغنية” بالقد طويلة” مع “سلوم” على البيانو، أثنوا على أدائي وتنبئوا لي بمستقبل فني زاهر خاصة وأني كنت أتمتع بصوت موزون بلا نشاز، وأعشق الفن الذي اعتبرته  دائما رسالة، وعطاء وأسمى هدية يمكن للفنان أن ينقلها لجمهوره سواء بالتمثيل أو بالغناء.

وبعد ذلك؟

بعدها التحقت بالمجموعة الصوتية التي كانت تضم مجموعة كبيرة من المغنين والذين أصبحوا من كبار الفنانين  كشاعو، رشدي، الغازي، بهية راشدي، لعجايمي وغيرهم.

أحببت الغناء ودرست قواعد الموسيقى العربية والشرقية وكل الطبوع الأخرى تحت إشراف الأستاذ عبد الكريم دالي في الأندلسي، وبعدها انتقلنا إلى معهد الموسيقى لأكمل الدراسة ودرست أصول اللغة  والطبوع الشرقية، وفي نفس الوقت تابعت في “معهد الموسيقى” أنا وزميلتي “هني نجية” والأوبرا مع الأستاذين جينو  وقوتشي.

كيف تم إختايرك لتقومي بدور زهرة في فيلم الحريق؟

واصلت الدراسة مع حفيظة بن ضياف وبهية راشدي، وثلاثتنا توجهنا بعدها إلى التمثيل، وتعاملت مع العديد من الملحنين، وبعدها جاء السيد مصطفى بديع رحمه الله إلى لمين بشيشي الذي كان في الأصل مديري وهو المدير السابق للإذاعة والتلفزيون قال لي أن هناك مخرج اقترح عليك دور الزهرة في الحريق، بعد أن أديت أول دور هزلي لي في “السينماتاك”، في 1972 سافرت إلى المشرق العربي “الإمارات العربية” ضمن مهرجان ثقافي في وقت بومدين الذي كان يحرس في كل مهرجان على أن يرسل كم هائل من المواهب الشابة لتمثل الجزائر في كل المجالات، ولما عدت بدأت الحريق مع عدد كبير من الممثلين ك”عمار” الذي كان أصغر مني سنا، شافية بوذراع، فازيلات بدور أخته الياقوت رحما الله، فالمخرج الكبير مصطفى بديع كان مبدعا بتسيير أحداث الفيلم، الذي كان يعكس الصورة الجزائرية المفعمة بحب الغير، ولا زال للفيلم صيت كبير ومكانة كبيرة في قلوب الجزائريين.

بعد أن تخرجت من المعهد الوطني للموسيقى والأوبرا، قدمت عدة أغاني وبرامج للأطفال وكذا شاركت في فيلم ليلى والأخريات وشاركت  في الدراما الصبيانية المثيرة لنور الدين الهاشمي” الدويرة”..وغيرها.

ماذا بعد الحريق؟

أثناء تصوير فيلم الحريق، كانت أمي رحمها الله بصدد تحضير جهاز عرسي لأزف عروسا لمحمد  رضا كشود الذي كان عضو في الفرقة النحاسية آنذاك، وملحن، لحن عدة أفلام مسرحية وتعامل مع الكثير من الفنانين فهو من لحن لي أغاني للأطفال مع الدكتور شريط، مع العلم أن عائلة زوجي كلهم كانوا في الميدان الفني، فوالد محمد الذي كنت أحترمه كثيرا كان السكريتار العام لمحي الدين بشطارزي  وهو من كان السبب في زواجي بابنه فبرأيه كنت أتحلى بصفات جميلة تناسب ابنه، من جمال ناعم وشعر أشقر إلى غيرها من الصفات التي لاقت استحسانه، وبالفعل التقيت محمد  وأنا أصعد الدرج في إحدى المرات وإذا به يقول لي أنا من سيتزوجك، اشتكيت منه لوالده بروح طفولية وبكل سذاجة لكونه عاكسني، و شاءت الأقدار وتزوجني فعلا سنة 1972.

أنجبت “عقيلة” هي الأخرى تعشق الفن منذ نعومة أظافرها، ودرست الموسيقى وأحبت العزف على البيانو، لكن الظروف آنذاك لم تسمح لها بإتمام مشوارها الفني، فلما كنت أسكن مع حماتي بباب الواد كانت تواظب على دروسها بشكل عادي، لكن لما رحلنا إلى السحاولة التي أسكنها منذ 30سنة، أين عشت العشرية السوداء توقفت، وهنا أفتح قوس للحديث على تلك الفترة” سنوات الجمر، تعددت التسميات لحقبة مرت بتاريخ الجزائر فتركت جرحا عميقا لا ينسى أبدا، يتموا وقتلوا أطفال حتى الصبي في بطن أمه ونزعوا البسمة من وجوه الجزائريين وهنا أستذكر حكاية السبع والحطابة الذي أنقذها من الموت وبعدها سمعها تتحدث عنه بالسوء، ففي المرة الثانية لما التقى بها تحطب طلب منها أن تضربه في جبهته بقوة بفأسها الكبير، تساءلت في البداية لكنها طبقت أوامره خوفا من غضبه، فجرح ونزف دم كبير، وبعد مرور أشهر التقى بها للمرة الثالثة، ووجدت أن الجرح قد طاب ولا أثر له، ولما سألته، أجابها جرح الجسد يطيب، لكن جرح فؤادي لن يطيب فلم أستطع أن أنسى ما قلته عني رغم ما فعلته لإنقاذك، هكذا نحن الجزائريين  الجرح الذي تركه فينا الإرهاب والألم الذي عشناه لا يمكن نسيانه مهما مرت الأيام والسنين” .

وبالعودة إلى حديثنا أكملت ابنتي عقيلة دراستها وتحصلت على شهادة الباكالوريا، وبعدها درست في الجامعة، وبعد شهادة الدراسات العليا تزوجت وأنجبت بنت وولد وتحصلت على الدكتوراه بباريس، أما مراد درس السينما وهو تقني، وملحن لحن عدة مسرحيات وأغاني للأطفال، متزوج  من ممثلة كذلك، ولديه طفلين، وهو الآن يعيش معي بالسحاولة، وعاهدت الله أن لا أجرح زوجة ابني بأي كلمة، والحمد لله نحن نعيش في جو من الاحترام المتبادل.

حدثينا عن الأعمال الفنية التي شاركت فيها، وما هو آخرها؟

أعمالي الفنية متنوعة من بينها ما ظهر على الشاشة من إخراج جعفر قاسم سنة 2013، كما تعاملت مع مزاحم، وجسدت في مشواري الفني عدة شخصيات في أفلام كثيرة بين السينما والتلفزيون، كالمشوار الذي جسدت فيه دورالبطولة مع سيد علي كويرات، ليلى والأخريات مع نادية سمير بدور المرأة الطالبة، و فيلم محمد لبسير، وعلواش، الإنتحار مع وردية رحمها الله..وعدة أفلام أخرى، أما في المسرح البوقالة مع فتيحة برباررحمها الله وبهية راشدي، و دور يامنة في مسرح تيزي وزو، وبعدها ميموزا بدور أم مجاهد بعنابة، كثيرة هي أعمال ولا أستطيع أن أتذكرها كلها.ستطيع أن أتذكره

 التعمال مع الشباب في الميدان الفني سواء في السينما أو المسرح والتي لاقت إقبالا كبيراً في الأونه الأخيرة برأيك تعتبر نجاح أم امتداد لحالة فشل؟ 

لدينا ثقة كبيرة بالشباب ومنهم الموهوبات والفنانات ك ريم تاكوشت ،سامية، مليكة بلباي…وغيرهن، أنا حقيقة لا أتفق أن كل الأعمال الجزائرية تأخذ ذات المسار، فهناك أعمال متنوعة، وأيضاً لكل جواد كبوة ، فكل سنة درامية تجد منها ما هو مكتمل و الآخر متواضع، وفي بعض الأحيان يكون اتجاه بعض المؤلفين يتشابه إلى حدٍ كبير، لكن الفن اليوم دخل مرحلة أخرى مختلفة تماماً عما كان عليه في أعوام السبعينات و الثمانيات و التسعينات، وهي مسألة لا تعتمد على الفن فقط ، بل هي أكبر من ذلك بكثير، و وجود الفضائيات بكثرتها على الساحة التي أصبحت لها سياساتها الخاصة ولها أسلوبها و تفكيرها الخاص، وإذا كانت تريد الاستمرار في عملها، لابد أن لا تستبعد الوجوه الفنية التي لا زالت راسخة في الأذهان ولا زال لها حضورها رغم كبر سنها، فالفنانون الذين عملوا بكل حب لمهنتهم لن ينتهي عطاءهم مهما تقدموا في العمر، كفريدة صبونجي، نادية طالبي، ليندة سلام..وغيرهم من الممثلين الكبار.

تغيبت عن الشاشة لمدة طويلة ما هو سبب غيابك؟

غيبت عن الشاشة لمدة 3 سنوات لأنه لم يتصل بي أي مخرج للعمل وإن اتصلوا بي يتحدثون عن النقود كأول شيء للتعاقد، وأنا برأيي أن احترام الفنان هو أساس التعامل معه، فيا ما ساعدنا عدة مخرجين كبار وشبان بدون مال بهدف أن ينجحوا، والفنان دائما موجود فهو كالشجرة المثمرة التي تنتج وتبهر من حولها إذا لاقت كل الاهتمام والعناية.

ما رأيك بوضعية الفن والثقافة في الجزائر؟

لا نستطيع أن نقول أن وزيرة الثقافة  خليدة تومي لم تخدم الثقافة بالعكس، فقد رممت منازل تراثية، وأسست جمعية حقوق الفنان..والوزيرة نادية التي تعاملت معها كصديقة وكمخرجة هي إنسانة رزينة.

ماذا عن مشاركتك بفيديو كليب وردة الجزائرية أغنية يا زمان؟

الضربة القاضية بالنسبة لي هي موت وردة الجزائرية وفتيحة باربار، هما خسارة كبيرة للفن الجزائري، لكنها مشيئة الله وقدره، فرحمهما الله وأسكنهما فسيح جنانه.

شاركت في كليب هذه الأغنية بعدما اتصل بي المخرج مؤنس  الشاب المتألق أمه مذيعة وطلب مني أن أكون في الكليب في أغنية يا زمان، قلت له  سمعني الأغنية، وبمجرد سماعها بكيت لأن وردة غنتها بكل حزن، ولا زلت إلى يومنا هذا عند سماعها أبكي مثلما أسمع أغنية كيكي ريكي في مسرحية الدويرة لعزالدين مجوبي ، وبدن كلام بالنظرة فقط أديت دور الام المنسية ولما رآني ابنها قبل يدي وشكرني، فقلت له هذا أقل ما يمكنني تقديمه لهذه السيدة العظيمة التي شرفت الأغنية الجزائرية ورغم مرضها في السنوات الأخيرة إلا أنها لم تتوقف يوما عن العطاء والعمل بكل حب لفنها الجميل الذي لن يزول بزوالها، فهي في قلوبنا وعقولنا دائما.

لمن تفتحين قلبك؟
 عادة ما أفتح قلبي لابنتي عقيلة، وصديقتي الغالية بهية راشدي ذات القلب الكبير والواسع جدا الذي يأوي كل الناس، فهي كعائشة أم المؤمنين، وأقول لها بهذه المناسبة، صديقتي بيني وبينك ذكريات كثيرة بعضها حلو وبعضها مر، بيني وبينك عشرة طويلة، بيني وبينك أجمل الصفات الحب والصدق والإخلاص والوفاء، بهية أختي التي عشت معك أجمل أيام شبابي يا بئر أسراري نختلف بالآراء وبالأذواق، لكن نكمل بعضنا البعض ويجب أن أذكر هنا أننا نحن الفنانين كالعائلة الواحدة التي لا يتخلى أحدنا عن الآخر في الفرح أو القرح.

كلمة عتاب لمن تقولينها؟

كلمة عتاب أقولها للزمان الغدار الذي كنا نعيش فيه سعداء بأبسط الأشياء ب”القرنينة، والفليو”، وللإنسان الذي باع وطنه بسهولة، ولكل من لم يحترم شهداءنا الأبرار، فأنا مهما ذهبت إلى فرنسا لا أستطيع العيش فيها فهي عدوة تبقى عدوة.

كلمة أخيرة؟

ككلمة أخيرة أقول أن الفنانين في زمان مضى أعطونا المشعل بطريقة نظيفة ك”كلتوم” التي مثلت المرأة الجزائرية أحسن تمثيل، و”وردية” الموهبة النادرة رحمهما الله،..وغيرهن، كانوا كالمجاهدات لان الفنانة كافحت وناضلت وسمحت من حقها بكل شرف وعفة، لأطلب من هذا الجيل من الممثلين أن يحملوا مشعل الفن الذي حافظنا عليه لما أعطوه لنا من سبقنا بكل أمانة برسالة نبيلة، لأن هذا المشعل كعلم الجزائر، الذي يجب أن يبقى مرفرفا، مع مرور السنين، فاحفظوا الأمانة وكونوا قدوة لمن يأتون من بعدكم، فهذه مسؤولية كبيرة وتحملها يتطلب الأخلاق الرفيعة قبل الموهبة، ثقتنا بكم كبيرة فلا تخذلونا.

 

أضف تعليقاً